للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نجدة الأفضل، فقال لهم العادل: قد تقرَّر أنَّه يرحل إلى مِصْر، ويقع الاتفاق، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه. واشتدَّ مرض العزيز، ولولا مرضُه لما صالح، فأرسل العزيز كبراءَ دولته فخر الدين شركس وغيره، فحلَّف الملوكَ، وطلب مصاهرة العادل، فزوَّجه ابنته خاتون، ورَجَعَ كلُّ واحدٍ إلى بلده، وذلك في شعبان.

وقال العماد: خَرَجَ الملوك لتوديع الملك العزيز إلى مرج الصُّفَّر واحدًا بعد واحد، خرج الطاهر أولًا، فبات عند العزيز ليلةً وعاد، وخرج الأفضل إليه، فقام له، واعتنقا وبكيا، وأقام عنده يومًا، وكان قد فارقه منذ تسع سنين، فلما عاد كتب إلى العزيز من إنشائه: [من الوافر]

نظرتُك نظرةً من بعد تِسْعٍ … تقضَّتْ بالتَّفَرُّقِ مِنْ سنينِ

وغَضَّ الدَّهْر عنها طَرْفَ غَدْرٍ … مسافةَ قُرْبِ طَرْفٍ من جبينِ

فَوَيحَ الدَّهْرِ لم يَسْمَحْ بوَصْلٍ … يعودُ به الهجوعُ إلى الجفونِ

فلا تُبْدي جيوشَ القُرْبِ حتَّى … يُرَتَبَ جيشَ بُعْدٍ في الكَمِينِ

ولا يُدْني محلِّي منك إلا … إذا دارَتْ رحى الحَرْبِ الزَّبُونِ

فليتَ الدَّهْرَ يَسْمَحُ لي بأُخرى … ولو أمضى بها حُكْمَ المَنُونِ

ولما انفصلتِ العساكر عن دمشق شرع الأفضل في اللَّهْو واللَّعب، واحتجبَ عن الرَّعية، فسمِّي الملك النَّوَّام، وفوَّضَ الأُمور إلى وزيره الجَزَري، وحاجبه الجمال محاسن ابن العجمي، فأفسدا عليه الأحوال، وكانا سببًا لزوال دولته، واستبدلا بكبراء الأُمراء والأجناد أراذل الناس، [ففسدت أمور العباد] (١).

وكان الظَّاهر لما وَصَلَ العزيز إل دمشق قَبَضَ على دُلْدُرم بن ياروق وأهله، وحبسهم في القلعة، وأراد كحلهم، فاشتغل، فلما عاد [العادل إلى] (٢) حلب بعد يومين، وطَلَعَ القلعة، وبات بها، وسأل في دُلْدُرم، فما أمكنه مخالفته، فأطلقه، ولما نَزَلَ العادل من القلعة ندم الظَّاهر حيث لم يمسك عمه، وأفضى بسِره إلى القاضي ابنِ شدَّاد، فقال له:


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) ما بين حاصرتين زيادة من عندنا يقتضيها السياق.