للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكَسَرَ عسكره بحماقته، وشنَّع على الخليفة بأنَّه مات، وكَتَبَ محضرًا بذلك، وأثبته على القضاة، وعَرَضَه على الخليفة، فأمر بالقَبْض على ابن يونس، وأُهين، وأُخذ أخذة شنيعة، وقيد ورُمي تحت التَّاج، فكان آخرَ العهد به.

[ذكر محنة جدِّي :

لما قُبِض ابن يونس تتبع ابن القصَّاب] (١) أصحابَه، فقال له الركن عبد السَّلام: أين أنتَ من ابن الجوزي؟ هو كان من أكابر أصحاب ابنِ يونس، وأعطاه مدرسةَ جدِّي، وأحرق كتبي بمشورته، وهو ناصبي من أولاد أبي بكر. وكان ابن القصاب متشيِّعًا، فكتب إلى الخليفة، وساعده جماعةٌ من أهل مذهبه، ولبَّسوا على الخليفة، فأمر بتسليمه إلى عبد السَّلام.

قال المصنف : وكان جدِّي يسكن بباب الأَزَج في دار بنفشا، وكان الزَّمان صيفًا، وهو جالس في السِّرْداب يكتب، وأنا صبيٌّ صغير، [وجرى عليهم ما لم يجر على أقل الناس] (٢)، وإذا بعبد السَّلام قد هَجَمَ عليه السرداب، وأسمعه غليظ الكلام، وخَتَمَ على كتبه وداره وشتَّت عياله، فلما كان [في] (٢) أول الليل حملوا جدِّي إلى سفينة، فأنزلوه فيها، ونَزَلَ معه عبد السَّلام لا غير، وعلى جدِّي غِلالة بغير سراويل، وعلى رأسه تخفيفة، وحدروه إلى واسط، واستوفى منه الكلام، وجدِّي لا يجيبه، وبلغني أَنَّ جدي أقام خمسة أيام ما أكل طعامًا إلى واسط، وسيق عبد السلام إلى واسط، وكان ناظرها العماد ابن مينا، وكان متشيعًا، فقال له الركن: حَرَسَ الله أيامك، مكِّنِّي من عدوي لأرميه في المطمورة، فَعَزَّ عليه وَزَبَره، وقال: يا زنديق، أرمي ابن الجوزي في المطمورة بقولك، هاتِ خط الخليفة! والله لو كان من أهل مذهبي لبذلت روحي ومالي في خِدْمته. فعاد عبد السَّلام إلى بغداد، وأقام جدِّي في دار بدرب الدِّيوان، وعلى بابه بوابٌ لا غير، وكان قد قارَبَ ثمانين سنة، فكان يخدم نفسه؛ يغسل ثوبه، ويطبخ، ويستقي الماء من البئر، ولم يدخلِ الحمَّام مدَّة خمس سنين مقامه بواسط، ولما عاد إلى بغداد سمعته


(١) في (ح): وتتبع ابن القصّاب أصحابه، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).