للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واسط، وقدَّموا لابن رئيس الرؤساء السفن حتَّى يعبر إليه، وإذ بزَبْزب قد قدم من بغداد، فقال: ما قدم هذا إلا في مهم، ننظر ما هو، ثم نعود إلى ما نحن بسببه، فلما دنا من الزبزب، فإذا فيه خدم من خدام الخليفة، فصاحوا به: الأرض الأرض، فقبَّل الأرض، وناولوه مطالعة، وفيها: قد بعثنا خِلْعة ودواة لابنِ زبادة، فتحمل الخلعة على رأسك والدَّواة على صَدْرك، وتمشي راجلًا إليه، وتلبسه الخلعة، وتجهزه إلينا وزيرًا. فحمل الخِلْعة على رأسه، والدَّواة على صدره، ومشى إليه راجلًا، فلما رآه ابن زبادة أنشده ابن رئيس الرؤساء: [من الطويل]

إذا المرء حيٌّ فهو يُرْجى ويتَّقى … وما يعلمُ الإنسان ما في المغيَّبِ

وأخذ يعتذر إليه، فقال ابن زبادة: لا تثريب عليكم اليوم. وركب في الزَّبزب إلى بغداد، وما علموا أَنَّ أحدًا أُرسلت إليه الوزارة غيره، فلما وصل إلى بغداد أول ما نظر فيه أن عزل ابن رئيس الرؤساء عن نظر واسط، وقال: هذا ما يصلح لهذا المنصب، ثم قال الأصيل: ولا يأمن يا مولانا أن يخرج الملك الصَّالح، ويملك وتعود إليه رسولًا، ويقع وجهك في وجهه، وتستحي منه، فأنشده محيي الدين [من الطويل]:

وحتى يؤوب القارظان كلاهما … وينشرَ في الموتى كليبٌ لوائل

فما كان إلا مديدة حتَّى خرج الملك الصَّالح من حبس الكَرَك، وملك مصر، وكان ما كان.

قال قاضي القضاة : وكنتُ بمصر ومحيي الدِّين بها رسول إلى العادل، وقُبض العادل، وجاء الصَّالح، فخرج محيي الدين التقاه، وشاهدتُ ذلك.

هكذا ذكر الوجيه هذه الحكاية، وفيها غلط إما من الوجيه أو من الأصيل، فإنَّ ابن زبادة ما ولي الوزارة ولا تولى إلا ما ذكرته في أوائل ترجمته، فإنْ كان هذا صحيحًا فيكون ذلك لما طلب للإنشاء كما شرحته. والله أعلم بالصَّواب.

قال ابن الدبيثي: سألتُ أبا طالب ابن زبادة عن مولده فقال: ولدت في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر سنة اثنتين وعشرين وخمس مئة، وتوفي ليلة الجمعة السابع والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وتسعين وخمس مئة، وصلي عليه بجامع القصر، ودُفِنَ بالجانب الغربي بمشهد الإمام موسى بن جعفر ببغداد. انتهى كلام قاضي القضاة، (١).


(١) "وفيات الأعيان": ٦/ ٢٤٤ - ٢٤٩.