وحكى الوجيه أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن سويد التَّاجر التكريتي، قال: كان الشيخ محيي الدين أبو المُظَفَّر يوسف بن الحافظ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي، الواعظ المشهور، قد توجَّه رسولًا من بغداد إلى الملك العادل ابن الملك الكامل ابن الملك العادل بن أيوب سُلْطان مِصْر في ذلك الوقت، وكان أخوه الملك الصَّالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محبوسًا في قلعة الكَرَك يومئذٍ، فلما عاد محيي الدِّين راجعًا إلى بغداد، وقَدِمَ دمشق كنت بها، فدخلت عليه أنا والشيخ أصيل الدين أبو الفَضْل عباس بن عثمان بن نبهان الإرْبلي، وكان رئيس التجار في عَصْره، وجلسنا نتحدَّث معه، فقال: قد حلَّفت الملك النَّاصر داود صاحب الكَرَك أن لا يُخرج الملك الصَّالح من الحبس إلا بأمر أخيه الملك العادل، فقال له الأصيل: يا مولانا، هذا بأمر الدِّيوان العزيز؟ فقال محيي الدِّين: وهل هذا يحتاج إلى إذن؟ هذا اقتضته المصلحة، ولكن أنت تاريخ يا أصيل، فقال -يعني مولانا-: إني قد كبرت، وما أدري ما أقول، وأنا أحكي لمولانا حكاية في هذا المعنى أعرفها من غرائب الحكايات. قال: هاتِ. فقال: كان ابن رئيس الرؤساء ناظر واسط يحمل في كلّ شهر حمل واسط، وهو ثلاثون ألف دينار، لا يمكن أن يتأخر يومًا عن العادة، فتعذَّر في بعض الأشهر كمال الحمل، فضاق صدره لذلك وذكره لنوابه، فقالوا له: يا مولانا، هذا ابن زبادة عليه من الحقوق أضعاف ذلك، ومتى حاسبته قام بما يتم الحمل وزيادة، فاستدعاه وقال له: أنت لم لا تؤدي كما يؤدِّي الناس؟ فقال: أنا معي خط الإمام المستنجد بالمسامحة، قال: فهل معك خط مولانا الإمام النَّاصر؟ قال: لا. قال: قم واحمل ما يجبُ عليك. قال: ما ألتفتُ إلى أحد ولا أحمل شيئًا. ونَهَضَ من المجلس، فقال النواب لابن رئيس الرؤساء: أنت صاحبُ الوسادتين وناظر النظار، ما على يدك يد، ومن هو هذا حتَّى يقابلك بمثل هذا القول؟ ولو كبست داره وأخذت ما فيها ما قال لك أحد شيئًا. وحملوه حتَّى ركب بنفسه وأجناده، وكان ابن زبادة يسكن قبالة