هو على المشاهدة والعِيان، [لا عن فلان وفلان قال:](١) فمن ذلك أَنَّه قَدِمَ بلدَه فاس رجلٌ شريفٌ، وكان فاضلًا لطيفًا، وكان يعظ بصوتٍ طيِّب، فجلس بها، فمال النَّاس إليه، وأرادوا أن يبايعوه، وبلغ خبره إلى يعقوب، فكتب إليه كتابًا يقول فيه: قد بلغَنا قدومُك البلاد، ووصولُ بركتك إلى أهلها، ونحن نسألك أن تقدمَ علينا لنأخذ حظَّنا منك كما أخذ أهلُ البلاد حَظَّهم. وبَعَثَ إليه بعشرة آلاف دينار، فخاف الشَّريف، واجتمع إليه أهلُ البلاد، وقالوا: متى وقعتَ في يده قتلك، فأظهرِ العِصْيان، ونحن وأهل الجبال معك. فقال [الشريف:](١) معاذَ الله أن أكون سببًا لإراقة دَم مُسْلم، ولكني أسير إليه، وأستعينُ بالله عليه، وبلغ يعقوبَ قولُه، فلما قَرُبَ من مَرَّاكُش خرج [يعقوب](١) فاستقبله، وأنزله معه في قَصْره، وحمل إليه المال والتُّحَف، وجلس، وسَمِعَ كلامه، وكان يجالسه، واتفق عبور يعقوب للقاء الفنش، ومن عادتهم يوم المصافّ أن يصلِّيَ الخليفةُ بالنَّاس الفجر، ويركب وحوله خمسةُ آلاف من القُرَّاء مُلْبِسين الدُّروع، حاملين الأسلحة، فيقرؤون سُبْعًا من القرآن، ويدعو الخليفةُ لا يدعو غيره، وكان له [طبال اسمه حماد مقدَّم الطبالين](١) وخَلْفه مئةُ كوس، وليس في العسكر من له طَبْلٌ غير الخليفة، فإذا فَرَغَ من الدُّعاء بعد القراءة قال: حماد، فيقول: لبيك، فيقول: اضربِ الطَّبْل. فتدقُّ الكُوسات، وتحمل العساكر، وهاتان الخلتان لا يشارك الخليفةَ فيهما أحدٌ: الدعاء، وقوله: يا حماد اضربِ الطَّبْل، فلما كان في هذا اليوم الَّذي التقى فيه يعقوب بالفنش صلَّى الخليفةُ بالنَّاس، وركب والشريف عن يمينه، ولما فَرَغَ من قراءة السُّبْع التفت [إلى الشريف](١) وقال: يا شريف، ادعُ الله. فقال: الله الله يا أمير المؤمنين، العفو، هذه وظيفةُ أميرِ المؤمنبن. فقال: لا بُدّ. فما أمكنه مخالفته خوفًا منه، فمدَّ يده ودعا، وعَجِبَ النَّاس، ولما فَرَغَ من الدعاء قال له: يا شريف، قل لحماد يضرب الطَّبل. فقال: العفو يا أمير المؤمنين، فقال: لا بد، [فقال:](١) يا حماد اضرب الطبل. فضرب وحملوا، ثم التفت إلى الشريف وقال: يا شريف، إنْ كان خطر ببالك أَنَّك تحكم على أهل البلاد، وأطمعك أهلُ فاس والجبال في هذا الأمر، أو رأيتَ منامًا فهو الَّذي رأيت، ما يحصل لك من الخلافة سواه. فنزل، وقَبَّل الأرض، وكسر الله الفنش، وأقام الشريف عنده في