أرغد عيشٍ إلى أن توفي، [وما ظن أحد أنَّه يَسْلَمُ منه، فلله دَرّ هذه المكارم، لو كان غير يعقوب لفعل بالشريف العظائم.
ومنها ما حكاه لي أبو العباس أيضًا، قال:] (١) كان ليعقوب ابنُ أُخت لم يكن بمرَّاكُش أحسنَ صورةً منه، له ثمان عشرة سنة، فقدم مَرَّاكُش رجلٌ يرقِّص الدُّبَّ ومعه امرأتُه، فرآها ابنُ أُخت يعقوب، فأعْجَبَتْه، فأرسل إليها، فأخذها، فوقف زوجُها ليعقوب وقال: يا أمير المؤمنين إنني رجلٌ غريب، وقد غَصَبني ابنُ أختك وأخَذَ زوجتي. فقال له: اتَّبعني. وجاء إلى قَصْر ابنِ أخته، وقال للرجل: قف ها هنا. ودخل القَصْر، فاستدعى ابنَ أخته، وقال له: لِمَ أخذت زوجة هذا الرجل؟ فأنكر، فدعا بالرجل، وقال له: قد أنكر. فقال: يا أمير المؤمنين، لي كليبة قد رَبَّتها المرأة، تحضر كلَّ امرأة في هذا القصر، وأحضر الكليبة، فهي تعرفها من بين ألف امرأة، فإن وقفتْ عندها وإلا فاقتلني. فقال للرجل: اخرج، وقال لابنِ أخته: لا تبقى في القصر امرأةٌ إلا تخرج. فأخرج النِّساء، وخرجت المرأة بينهن وقد غيَّر زِيِّها، وأَلْبسها الحُلِي والجواهر والثِّياب الفاخرة، وأطلق الكُليبة، فجاءت، فوقفت عندها، فاستدعى الرجل، فقال له: خُذْ زوجتك بما عليها. ثم التفتَ إلى ابنِ أخته، وقال له: قَصْرُك مملوءٌ بالجواري المُسْتحسنات، وأنت تمدُّ عينك إلى امرأةِ رجلٍ غريب جاء من بلادٍ بعيدة تأخذها غَصْبًا منه؟! ثم قال لغِلْمانه: أعطوه الرِّماح. وهذه قتلة المغاربة. فخرجت أمه حاسرةً، فبكت بين يديه، وقالت: ما لي غيره، فقال: والله لأهذبنَّ به ملوك المغرب وغيرهم. وقَتَلَه.
[ومنها ما حكاه لي أبو العباس أيضًا، قال:(١)] اشْتَهَرَتْ امرأةٌ بالزُّهْد، وأنها ما تأكل الخبز، فبعثَ إليها يعقوب وقال: أقيمي عندي في القَصْر أيامًا لأتبارك بكِ. فأقامت عنده مُدَّة، فدخلت بعضُ جواريه إلى السِّقاية يومًا فرأتِ الزَّاهدة تأكل الخبز في بيت الماء، فبهتت، وجاءت إليه، فأخبرته، فقال لها: والله لئن سمع هذا غيري منك لأقتلنَّك. ثم بحث عن ذلك، فوجده صحيحًا، فأرسل إلى الزَّاهدة خمس مئة دينار وثيابًا وقال لها: قد حصلنا على البركة بمقامك عندنا، وقد سألني بنو عمِّي أَنْ تقيمي عندهم في قَصْرهم مثلما أقمتِ عندنا لتصل إليهم بركتك. فانتقلتْ إليهم، ولم يُظْهر أمرَ المرأة.
(١) في (ح): وقال أبو العباس أيضًا، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).