قال قاضي القضاة: ثم حكى لي جَمْعٌ كبير بدمشق في شهور سنة ثمانين وست مئة أن بالقرب من المجدل البليدة التي من أعمال البقاع العزيزي قرية يقال لها: حَمَّارة، وإلى جانبها مشهد يعرف بقبر الأمير يعقوب ملك المغرب، وكلُّ أهل تلك النَّواحي متفقون على ذلك، وليس عندهم فيه خلاف.
وكان الأمير يعقوب يشدِّد في إلزام الرَّعية بإقامة الصَّلوات الخمس، وقتل في بعضِ الأحيان على شرب الخمر، وقتل العمال الذين تشكو الرَّعايا منهم، وأمر برفض فروع الفِقْه، وأنَّ العلماء لا يفتون إلا بالكتاب والسُّنَّة، ولا يقلِّدون أحدًا من الأئمة، بل تكون أحكامهم بما يؤدِّي إليه اجتهادهم.
وكان قد عَظُمَ مُلْكه، واتَسعت دائرةُ سَلْطنته حتَّى إنَّه لم يبق بجميعِ أقطار بلاد المغرب من البحر المحيط إلى برقة إلا مَنْ هو في طاعته، إلى غير ذلك من جزيرة الأندلس.
وكان من شعراء دولته أبو بكر يحيى بن عبد الجليل بن عبد الرحمن بن مُجبر الأندلسي المرسي، فمن قوله: [من المديد]
أتراه يتركُ الغَزَلا … وعليه شَبَّ واكتهلا
كَلِفٌ بالغِيد ما علقتْ … نَفْسُه السلوانَ مُذْ عقلا
غير راضٍ عن سجية مَنْ … ذاق طَعْمَ الحب ثُمَّ سلا
أيها اللُّوَّام ويحكُمُ … إنَّ لي عن لومكم شُغُلا
ثَقُلَتْ عن لومكم أُذُن … لم يجد فيها الهوى ثِقَلا
تسمعُ النَّجوى وإن خفيتْ … وهي ليست تسمع العذلا
نظرتْ عيني لشِقْوَتها … نظراتٍ وافقتْ أجلا
غادةً لما مثلتُ لها … تركتني في الهوى مثلًا
هي بزَّتني الشباب فقد … صار في أجفانها كحلا
أبطل الحقَّ الَّذي بيدي … سِحْرُ عينيها وما بطلا
عرضتْ دلًّا فإذ فطنتْ … بولوعي أعرضتْ خجلا