للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعنى قوله: في الآخر: "لا يحلُّ دمُ امرئٍ مُسْلم إلا بإحدى ثلاث". الحديث (١).

قلت (٢): وذكر قاضي القضاة شمس الدين بن خَلِّكان يعقوب المذكور في "وَفَيات الأعيان" (٣) فقال: يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي الكومي، صاحب بلاد المغرب.

كان صافي السُّمْرة جدًّا، أَفْوَهَ، أَعْيَنَ، شديد الكحل، ضخم الأعضاء، جَهْوَرِيَّ الصوت، جَزْلَ الألفاظ، من أصدق النَّاس لهجةً، وأحسنهم حديثًا، وأكثرهم إصابة بالظَّنِّ، مجرِّبًا للأمور، ولي وزارة أبيه، فبحث عن الأحوال بحثًا شافيًا، وطالع مقاصد العمال والولاة وغيرهم مطالعةً أفادته معرفة جزئيات الأُمور.

ولما ولي قام بالأمر أحسنَ قيام، وهو الَّذي أظهر أُبَّهة ملكهم، ورفع راية الجهاد، ونَصَبَ ميزان العَدْل، وبسط أحكام النَّاس على حقيقة الشَّرْع، ونظر في أمور الدِّين والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الحدود حتَّى في أهله وعشيرته، فاستقامتِ الأحوال، وعَظُمَتِ الفتوحات.

وبنى بالقرب من مدينة سلا مدينة عظيمة سماها رباط الفَتْح على هيئة الإسكندرية في اتِّساع الشوارع، وحُسْن التقسيم، وإتقانِ البناء، وتحسينه وتجصيصه، وبناها على البحر المحيط الَّذي هناك، وهي على نهر سلا مقابلةً لها من البَرِّ القِبْلي.

واختلفتِ الرِّوايات في أمره، فمن النَّاس من يقول: إنَّه ترك ما كان فيه، وتجرَّد، وساح في الأرض حتَّى انتهى إلى بلاد الشَّرْق وهو مستخفٍ لا يُعرف، ومات خاملًا. ومنهم من يقول: إنه مات في غُرَّة جُمادى الأولى، وقيل: في شهر ربيع الآخر في سابع عشره، وقيل: في غُرَّة صفر سنة خمسٍ وتسعين وخمس مئة بمرَّاكُش. وقيل: إنَّه مات بمدينة سلا، وكانت ولادته ليلة الأربعاء رابع شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وخمس مئة.


(١) أخرجه البخاري (٦٨٧٨)، ومسلم (١٦٧٦) من حديث ابن مسعود، وهو في "المسند" (٣٦٢١).
(٢) هو قطب الدين اليونيني، مختصر "مرآة الزمان".
(٣) "وفيات الأعيان": ٧/ ٣ - ١٥.