للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد سنة ثمانٍ وعشرين وخمس مئة بقرية جَمَّاعيل، وقيل: بقرية من أعمال بيت المقدس ونابُلُس، وكان معتدلَ القامة، حَسَنَ الوَجْه، عليه أنوارُ العبادة، لا يزال مُبْتَسِمًا، نحيلَ الجسم من كَثْرة الصِّيام والقيام، وهاجَرَ مع والده [الشيخ أحمد، فحدثني أبو عمر،] (١) قال: هاجَرْنا من بلادنا، فنزلنا مسجد أبي صالح بباب شَرْقي، فأقمنا به مُدَّة، ثم انتقلنا إلى الجبل، فقال النَّاس: الصَّالحية الصَّالحية، نسبونا إلى مسجد أبي صالح، لا أننا صالحون، ولم يكن بالجبل عِمارة إلا ديرُ الحوراني، وأماكنُ يسيرة.

ذِكْرُ اشتغاله وزُهْده وعبادته:

قرأ القرآن بحرف أبي عمرو، وحفظ الخِرَقي، وقرأ النَّحْو على ابنِ بَرِّي، وسمع الحديث بدمشق ومِصْر، واشتغل بالعبادة عن الرِّواية، وكتب "الحِلْية" لأبي نُعَيم و"تفسير البغوي" و"المغني" لأخيه شيخنا موفق الدِّين ، و"الإبانة" لابن بَطَّة، ومصاحفَ كثيرة للنَّاس ولأهله، وكُتُبًا كثيرة، والكل بغير أجرة.

وكان يصومُ الدَّهر إلا من عُذْر، ويقوم الليل من صِغَره، وما كان يفطر إلا في يوم عيد، ويحافظ على الصَّلوات الخمس في الجماعات، ويخرج من ثُلُث الليل الأخير إلى المسجد في الظُّلْمة، فيصلِّي إلى الفجر، ويقرأ في كل يوم سُبُعًا من القرآن بين الظُّهْر والعَصْر، ويقرأ بعد العشاء الآخرة آيات الحرس وياسين والواقعة وتبارك ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ والمعوِّذتين، وإذا ارتفعت الشمس لقَّن النَّاسَ إلى وقت الضُّحى، ثم يقوم فيصلي الضُّحى ثماني ركعات، ويقرأ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ألف مرة، ويزور المقابر بعد العَصْر في كلِّ جُمُعة، ويَصْعَدُ يوم الاثنين والخميس إلى مغارة الدَّم ماشيًا بالقَبْقاب، فيصلِّي فيها ما بين الظُّهْر والعصر، وإذا نزل جمع الشِّيح من الجبل، وربطه بحَبْلٍ، وحمله إلى بيوت الأرامل واليتامى، ويحمل في الليل إليهم الدَّراهم والدَّقيق ولا يعرفونه، ولا ينام إلا على طهارة، ومتى فُتِحَ له بشيءٍ من الدُّنيا آثر به أقاربه وغيرهم، ويتصدَّق بثيابه، وربما خَرَجَ الشِّتاء وعلى جسده جُبَّة بغير ثوب، ويبقى مُدَّة طويلة بغير سراويل، وعِمامتُه قِطْعةٌ من بطانة، فإنِ احتاجَ أحدٌ إلى خِرْقة أو ماتَ صغيرٌ يحتاج إلى كَفَنٍ، قَطَعَ له منها قِطْعة.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).