للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان ينام على الحصير، ويأكل خُبْزَ الشَّعير، وثوبه خام إلى أنصافِ ساقيه، وما نَهَرَ أحدًا، ولا أَوْجَعَ قَلْبَ أحد، وكان يقول: أنا زاهدٌ، ولكن في الحرام.

ولما نزل صلاحُ الدِّين على القُدْس كان هو وأخوه الشيخ الموفق والجماعة في خيمة، فجاء العادلُ إلى زيارته وهو في الصَّلاة، فما قَطَعها، ولا التفتَ، ولا ترك ورْدَه.

وكان يصعد المِنْبر في الجبل، وعليه ثوبُ خام مهدول الجيب، وفي يده عصا، والمِنْبر ثلاث مراقي، وكان يجاهد في سبيل الله، ويحضر الغزوات مع صلاحِ الدين.

وكان الشيخ الموفق يقول: أخي شيخنا ربَّانا وأحسنَ إلينا، وعلَّمنا، وحَرِصَ علينا، وكان للجماعة كالوالد، يقوم بمصالحهم، ومَنْ غاب منهم خَلَفَه في أهله. قال: وكان أبي أحمدُ قد تخلَّى عن أمور الدُّنيا وهمومها، وكان المرجعُ في مصالح الأهل إليه، وهو الذي هاجر بنا، وسفَّرنا إلى بغداد، وبنى الدَّير، وكفانا همومَ الدُّنيا، وكان يُؤْثِرُنا ويَدَعُ أهله محتاجين، وبنى المدرسة والمَصْنَع بعلو هِمَّته، وكان مجابَ الدَّعْوة، وما كَتَبَ لأحدٍ ورقة للحُمَّى إلا وشفاه الله تعالى.

[(١) ذِكْرُ نبذة من كلامه وكراماته: وكانت كراماته كثيرة، وفضائله غزيرة، فمنها ما شاهدته، ومنها ما أُخبرت به. فأما الذي شاهدته، فإني] صليت يوم الجمعة بجامع الجبل في أول سنة ستٍّ وست مئة، والشيخ عبد الله اليونيني إلى جانبي، فلما كان في آخر الخُطْبة وأبو عمر يخطب، نهضَ الشيخ عبد الله اليونيني مُسْرعًا، وصَعِدَ إلى مغارة توبة، وكان نازلًا بها، فظننت أَنَّه قد احتاج إلى الوضوء، أو آلمه شيء، فلما صلينا الجمعة صَعِدْتُ وراءه، وقلت: خير، ما الذي أصابك؟ فقال: هذا أبو عمر ما تَحِلُّ خلفه صلاة. قلت: ولمَ؟ قال: لأَنَّه يقول على المِنْبر ما لا يَصْلُح. قلتُ: وما الذي قال: قال: قال: الملك العادل، وهو ظالمٌ، فما يَصْدُق. وكان أبو عمر يقول في آخر الخُطْبة: اللهم وأَصْلِحْ عَبْدَك الملك العادل سيفَ الدِّين أبا بكر بن أيوب. فقلتُ له: إذا كانتِ الصلاةُ خلف أبي عمر لا تصح، فيا ليت شِعْري خَلْفَ مَنْ تصحّ! [وخطر لي قول عبد الرحمن


(١) في (ح): وقال المصنف : صلّيت يوم الجمعة. . .، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).