للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحارث بن ظالمٍ، وقيس بن مسعودٍ البَكريِّ، وخالد بن جعفرٍ، وعَلْقمة بن عُلاثة العامِرِيِّ، وعَمرو بن الشَّريد السُّلَمي، فقدموا عليه، فأكرمهم وأخبرهم بما جرى له مع كسرى، وقال:

قد سمعتُ منه مقالةً أَتخوَّف أن يكون لها غَوْرٌ، [أو يكونَ إنما أظهرها لأمر]، وهو أن يَتّخذَ العرب خَوَلًا كبعض (١) طَماطِمته، كما يَفعل بملوك الأمم الذين حوله. وإنما أنا رجلٌ منكم، وما عَزَزتُ إلا بمكانكم، وبما يتخوَّفُ من ناحيتكم. وقد رأيتُ أن تَنطلقوا إليه بكتابي، وأن يَنطِقَ كلّ واحدٍ منكم بما حضره، ليعلمَ أن العرب غير ما ظَنَّ، ولا تَنطِقوا بما يُغْضِبُه، فإنه ملكٌ عظيمُ الشَّأن، كثير الأعوان، ولا تَنخَزِلوا له انخِزالَ الخاضع الذَّليل، وليكن أمرًا بين ذلك تَظهر به وَثاقَةُ حُلومِكم، ورَزانَةُ عقولكم. وليكن أوّل مَن يتكلم منكم أكثمُ بنُ صَيْفي، ثم تتابعوا على الولاء بقَدْر منازلكم التي وصفتكم (٢) بها، فإنما دعاني إلى ذلك لئلا يَحرِصَ كلُّ واحدٍ منكم على التَّقدُّم قبل صاحبه، فيَجد في آدابكم مَطعنًا، فإنه ملكٌ مُترَف، وقادرٌ مُسَلَّط.

ثم كساهم الحُلَل الثَّمينة، وحملهم على المَهاري والخيل العِتاق، وكتب معهم كتابًا فيه: أما بعد، أيها الملك، فإني قد أَنفَذتُ إليك وجوهَ العربِ وحكماءهم ورؤساءهم، ومَن لهم حَزمٌ وعَزْمٌ، وفصاحةٌ وصباحةٌ، وأحسابٌ وأنسابٌ. وقد كنتُ أجبتُ الملك عمّا رماهم به، وأَحببتُ أن يكونَ منهم على علمٍ ويقينٍ، فلْيَسمع الملك منهم، ويتغافل عن جَفاءٍ إن ظهر منهم، ويكرمني بإكرامهم، والسلام.

فلما وفدوا على كسرى أكرمهم، وجلس لهم مجلسًا عامًّا، ولبس تاجه، وجمع علماء أهل مملكته، ونصب كراسيّ الذهب والفضَّة للوفود عن يمينه وشماله، ودعا بالأساورة والمَرازِبَة والمَوابِذة، وأجلس العربَ مجالسَهم التي وصفها النُّعمان في كتابه، وأقام التُّرجُمان ليؤدِّي إليه ما يقولون، وأذن لهم في الكلام.

فقام أكثم بن صَيْفي فقال: إن أفضل الأشياء أَعاليها، وأَعلى الرجالِ مُلوكها، وأفضلَ الملوك أعمُّها نفعًا، وخير الأزمنة أخصبُها، وأفضل الخطباء أصدقُها. الصدقُ


(١) في النسخ: لبعض، والمثبت من العقد الفريد ٢/ ٩ وما بين معكوفين منه.
(٢) في العقد ٢/ ١٠: وضعتكم.