عما وراء أبيه لم يَنْسبه، ولم يعرفه، وما في العربِ إلا مَن يُسمّي آباءه أبًا أبًا، وجدًّا جدًّا، يَحفظون بذلك أحسابهم، فلا يدخل رجل في غير قومه، ولا يدعى إلى غير أبيه.
وأما سخاؤها؛ فإن الرجل يكون عنده البَكْرُ أو النابُ، عليها بُلْغَتُه من العيش، فيطرقه الطارقُ، فيعقِرُها له وَيرضى أن يَخرجَ من دنياه كلّها بحُسْنِ الأُحدوثة، وجميل الذّكر.
وأما فصاحتُها؛ فإن الله أعطاها في نَظمها ونثرها ما لم يُعْطِه غيرَها من الأمم. ثم إن خيولهم أفضلُ الخيول، ونساءهم أعفُّ النساء.
وأما دينها؛ فإن لها بيتًا محجوجًا، وشهرًا حرامًا، وبلدًا مُحرّمًا يَنسكون فيه نسائكَهم، ويَذبحون ذبائحهم، ويَلقى الرجلُ قاتلَ أبيه، أو ابنه، أو أخيه، فلا يتعرَّض له في الشهر الحرام.
وأما وفاؤُها، فإنَّ أحدَهم إذا عَقد عُقدة لا يَحُلُّها إلا خروج نَفْسه، وإن أحدهم ليرفعُ عودًا من الأرض؛ فيكون رَهْنًا بدينه وذمَّته، فلا يَغْلَق رَهْنه ولا تُخفَر ذِمَّتُه. وإن أحدهم ليَبْلُغُه أن شخصًا استجار به، وعسى أن يكون نائيًا عن داره، فيُصابُ، فلا يرضى حتى يُفني تلك القبيلة التي أصابتْه، أو تَفنى قبيلتُه، لما أُخْفِر من ذِمامه وجِواره، وإنَّه ليَلجأ إليهم المُحْدِثُ المجرمُ من غير معرفةٍ ولا قرابة، فتكون نُفوسُهم دون نَفْسِه، وأموالُهم دون أمواله.
وأما قتلُهم الإناث من أولادهم؛ فليس للفاقَة، بل أنفةً من العار، وغَيْرةً من الأزواج.
وأما أكلُهم لحومَ الإبل؛ فما تركوا ما دونها إلا احتقارًا له، فجعلوها طعامَهم ومَراكبَهم، مع أنها أكثرُ البهائم شُحومًا، وألذُّها لُحومًا، وأرقُّها ألبانًا، وأقلُّها غائلَةً. وذكر كلامًا طويلًا، فعجب كسرى من كلامه، وقال: إنَك لموضع الرِّئاسة في أهل مملكتك، وفيما هو أفضل. ثم كساه من كِسوته وسَرَّحه إلى الحيرة.
فكتب النعمانُ إلى رؤساءِ العرب وحكمائها، مثل: أكثَم بن صَيْفيّ، وحاجِب بن زُرارة التَّميمي، والحارث بن عُبادٍ البَكريّ، وعَمرو بن مَعدي كَرِبٍ الزُّبَيديّ،