فدخلنا إلى خيمةٍ أُخرى إبْرَيسَم وفي دِهْليزها ملوك خُرَاسان: مرو ونَيسابور وبَلْخ وغيرهم، ثم دخلنا خيمةً أخرى وملوك ما وراء النَّهر في دِهْليزها كذلك ثلاث خيام، ثم دخلنا عليه وهو في خركاة عظيمة من ذهب، وعليها سجافٌ مُرَصَّع بالجواهر وهو صبيٌّ له شعراتٌ قاعدٌ على تحت ساذج، وعليه قَبَاء بخاريٌّ يساوي خمسة دراهم، وعلى رأسه قطعةٌ من جلد تساوي دِرْهمًا، فَسَلَّمْتُ عليه، فلم يَرُدَّ، ولا أمرني بالجلوس، فشرعتُ، فخطبتُ خُطْبةً بليغة ذكرتُ فيها فَضْلَ بني العَبَّاس، ووصفتُ الخليفةَ بالزُّهْد والورع والتُّقى والدِّين، والتّرجمان يعيد عليه قولي، فلما فرغتُ قال للترجمان: قُلْ له هذا الذي تصفه ما هو في بغداد. قلتُ: نعم. قال: "أنا، (١) أجيء وأُقيم خليفةً يكون بهذه الأوصاف. ثم ردَّنا بغير جواب، ونزل الثَّلْج عليهم، فهلكت دوابُّهم، وركب خوارزم شاه يومًا، فعثرت به فرسه، فتطيَّر، ووقع الفساد في عَسْكره، وقلَّتِ الميرةُ، وكان معه سبعون ألفًا من الخطا، فردَّه الله، ونكب تلك النكبة العظيمة، وسنذكرها إنْ شاء الله تعالى.
وفيها انفسختِ الهُدْنة بين المُسْلمين والفرنج، وجاء العادل [من مصر بالعساكر فنزل على بيسان، والمعظم عنده في العساكر الشامية، وخرج الفرنج](١) من عكا، ومقدَّمهم ملك الهنكر في خمسة عشر ألفًا، وكان شجاعًا مقدامًا، فنزلوا عين الجالوت، ومعه جميع ملوك السَّاحل، فلما أصبحوا ركب الهنكر في أوائلهم، وقَصَدَ العادل، [وكان العادل على تل بَيسان](١)، فنظر، فرأى أَنَّه لا قِبَلَ له بهم، فتأخَّر، فقال له المُعَظَّم: إلى أين؟ فشتمه بالعجمية، وقال: بمن أقاتل؟ أقطعتَ الشَّام مماليكك، وتركتَ أولادَ النَّاسِ الذين يرجعون إلى الأُصول! [وذكر كلامًا في هذا المعنى](١)، وساق، فعبر الشَّريعة عند برفا، وجاء الهنكر إلى بَيسان، وبها من الأسواق والغلال والمواشي شيء لا يعلمه إلا الله تعالى، فأخذ الجميع، وارتفع العادل إلى عَجْلُون، ومضى المعظم، فنزل بين نابُلُس والقُدْس على عقبة اللبن خوفًا على القُدْس، وأقام الفرنج على بَيسان ثلاثة أيام، ورحلوا طالبين قَصْرَ ابن معين
(١) ما بين حاصرتين من (ش)، وانظر "المذيل على الروضتين": ١/ ٢٨٤.