للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدِّين، وسار العادل، فنزل رأس الماء، وصَعِدَ الفرنج عقبة الكرسي إلى خربة اللصوص والجولان، وأقاموا ثلاثة أيام ينهبون ويقتلون ويأسرون، ثم عادوا، فنزلوا الغَوْر، وبَعَثَ العادل أثقاله ونساءَه إلى بُصْرى، وأقام على رأس الماء جريدةً، ولما نزل الفرنج الغَوْر جاء العادل، فنزل عالقين.

حديث صعودهم إلى الطُّور:

لما رجعوا من خربة اللصوص، ووصلوا إلى تَلِّ الفرس قريبًا من نوى، رجعوا نزلوا تحت الطُّور يوم الأربعاء ثامن عشرين شعبان، وأقاموا إلى يوم الأحد ثاني رمضان، وكان يومًا كثير الضَّباب، فما أحسَّ بهم أهلُ الطُّور إلا وهم عند الباب قد ألصقوا رماحهم بالسُّور، ففتح المسلمون الباب، وخَرَجَ إليهم الفارس والرَّاجل، وقاتلوهم حتى رَمَوْهُمْ إلى أسفل الطُّور، فلما كان [يوم الثلاثاء] (١) رابع رمضان طلعوا بأَسْرهم، ومعهم سُلَّمٌ عظيم، فزحفوا من ناحية باب دمشق، وألصقوا السُّلَّم بالسُّور، فقاتلهم المسلمون قتالًا لم يجر في الإِسلام مثله، ودخلتْ رماحُ الفرنج من المرامي من كلِّ ناحية، فضرب بعض الزَّرَّاقين السُّلَّم بالنِّفْط، فأحرقه، وقتل عنده جماعة من أعيان الفرنج منهم كند كبير، فلما رأوه مقتولًا صاحوا وبكوا، وكسروا عليه رماحهم. واستشهد في ذلك اليوم من أبطال المسلمين بدر الدين محمَّد بن أبي القاسم، وسيف الدين بن المَرْزُبان، وكانا من الصَّالحين الأجواد، وأغلق المسلمون بابَ الطُّور، وجبن جماعة منهم عن القتال، ونسبوا معن الحداثي إلى ذلك، ولم يكن كما قالوا، وإنما غُلب النَّاس لما رأوا ابن أبي القاسم وابن المَرْزُبان مقتولين، وبات النَّاس عشية الأربعاء يداوون جراحاتهم، وضربوا مشورة، واتفقوا على أنَّهم يقاتلون قتال الموت ولا يُسَلِّمون أنفسهم لئلا يجري عليهم ما جرى على أهل عكا. وكان في الطُّور أبطال المسلمين، وخيار عسكر الشام، فقال الأمين الحلبي (٢) في ذلك: [من البسيط]

قُلْ للخليفةِ لا زالتْ عساكِرُهُ … لها إلى النَّصْرِ إصْدارٌ وإيرادُ

إنَّ الفرنج بحِصْنِ الطُّور قد نزلوا … لا تَغْفُلَنَّ فحِصْنُ الطُّورِ بغدادُ


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) ستأتي ترجمته ص ٣٩٢ من هذا الجزء.