للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد بجمَّاعيل سنة ثلاثٍ وأربعين وخمس مئة [وكان الحافظ أسن منه بسنتين] (١)، وهاجر [من جمَّاعيل] (١) إلى دمشق سنة إحدى وخمسين وخمس مئة، ثم سافر إلى بغداد، وقرأ القرآن علي أبي الحسن علي بن عساكر بن المرحب البطائحي وغيره، وسمع الحديث الكثير [ببغداد ودمشق] (١) وكان معتدل القامة، شعره إلى أُذُنيه، مليحَ الوَجْه، بَسَّامًا، عابدًا، مجتهدًا، لا يدَّخر من الدُّنيا شيئًا، حَسَنَ الصَّلاة، كثيرَ السجود والدُّعاء، يُقْرئ القرآن والفِقْه دائمًا في الحَلْقة بجامع دمشق، ويجتمع إليه الطلبة كلَّ ليلة بعد العِشاء الآخرة، فيحملهم إلى بيته، ويُحْضر لهم من الطَّعام ما تيسَّر، وما تعرف إلى أحدٍ من أبناء الدُّنيا قَطُّ لا إلى سُلْطان ولا غيره.

ولا تحرَّك حركةً، ولا مشى خطوةً ولا تكلَّم كلمةً إلا لله تعالى، وكان يتعبَّد بالإخلاص، [(٢) ولقد رأيته مرارًا في الحَلْقة بجامع دمشق، والخطيب يوم الجمعة على المنبر، فيقوم عماد الدين، ويأخذ الإبريق]، ويضع بلبلته في فِيه على رؤوس الأشهاد يوهم النَّاس أَنَّه يشرب، وهو صائم.

[(٣) ذكر ثناء الشيخ الموفق عليه، كان يقول]: أعرفُ العماد من صِغَره، وما عرفتُ أَنَّه عصى الله تعالى قَطُّ، وكان من خِيار أصحابنا، وأعظمهم نَفْعًا، وأشدَّهم عبادةً وورعًا، وأكثرهم صَبْرًا على تعليم القُرْآن والفِقْه، داعيةً إلى السُّنَّة، أقام بدمشق يعلِّمُ الفقراء، ويُطْعِمُهُمْ، ويبذُلُ لهم ماله ونفسه [وطعامه] (١)، وما رأيتُ أشدَّ خوفًا منه لله تعالى، وكان من أشدِّ النَّاس تواضعًا، واحتقارًا لنفسه، كثير الدُّعاء والسؤال، طويلَ الركوع والسجود، يصوم يومًا، ويُفطر يومًا، وكان إذا سُمِعَ عليه جزءٌ، وكتبوا [على ظهره] (١): سُمِعَ على العالم الورع، ينهاهم عن ذلك.

وسافر إلى بغداد مَرَّتين: الأُولى في سنة تسع وستين وخمس مئة صحبةَ الشيخ موفق الدِّين بعد أن حَفِظَ القرآن وغريب الحديث، والخِرَقي، وتفقَّه ببغداد على أبي


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) في (ح): وكان يقوم يوم الجمعة في حلقة الحنابلة بجامع دمشق، والخطيب على المنبر، فيأخذ الإبريق … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).
(٣) في (ح): وقال الشيخ موفق الدين ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).