الفَتْح بن المَنِّي، وأفتى وناظر. والسفرة الثانية سنة إحدى وثمانين صحبة عز الدين ابن أخيه، وصنَّف كتاب "الفروق بين المسائل الفقهية" وكتاب "الأحكام"، ولم يتمَّه.
[وكان يحضر مجالسي دائمًا بجامع دمشق وقاسيون، ولا ينقطع إلا من عذر، ويقول: صلاح الدين يوسف فتح الساحل وأظهر الإِسلام، وأنت يوسف أحييت السُّنَّة بالشام. وكان يزورني، ويتبسَّط إليَّ، ويحب مجالسي](١).
ذِكْرُ وفاته:
لما كان عَشِيَّة الأربعاء سادس عشر ذي القَعْدة صَلَّى المغرب بجامع دمشق، وكان صائمًا، وأفطر في داره على شيء يسير، فجاءه الموتُ في الليل، فجعل يقول: يا حيُّ يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. وتوفي، فَغُسِّل وقتَ السَّحَر، وأُخرجت جنازته إلى جامع دمشق، فما وسع النَّاسَ الجامعُ، وصلى عليه شيخنا موفق الدين بعد جهد [جهيد](١)، وكان يومًا لم يُرَ في الإِسلام مِثْلُه؛ كان أَوَّلُ النَّاس عند مغارة الدَّم ورأس الجبل إلى الكهف، وآخرهم بباب الفراديس، ولولا [المبارز](١) المعتمد ﵀ وأصحابه لقطعوا أكفانه، وما وصل إلى الجبل إلى آخر النَّهار.
قال المصنف ﵀: وتأمَّلْتُ النَّاس من أعلى قاسيون إلى الكهف إلى قريب الميطور لو رمى الإنسانُ عليهم إبرةً لما ضاعت، فلما كان في الليل نمتُ وأنا مفكِّر في جنازته، وذكرتُ أبيات سفيان الثَّوْري التي أنشدها في المنام [الذي من جملتها هذا البيت النفيس](١): [من الطويل]
نظرتُ إلى ربي كِفاحًا وقال لي … هنيئًا رضائي عنكَ يا ابنَ سعيد
وقد ذكرتُ الأبيات في ترجمة سُفْيان، وقلت: أرجو أَنَّ العماد يرى رَبَّه كما رآه سُفْيان عند نزول حُفْرته، ونمتُ، فرأيتُ العماد في النوم، وعليه حُلَّة خضراء، وعِمامة خضراء، وهو في مكانٍ متَّسع كأَنَّه رَوْضة، وهو يرقى في دَرَج مرتفعة، فقلتُ: يا عمادَ الدِّين، كيف بِتَّ، فإني والله مفكِّرٌ فيك؟ فنظر إليَّ، وتبسَّم على عادته، وقال:[من الطويل]