للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنتَ مشغولٌ بتدبير الممالك تكتب خطك على عشر مجلَّدات أنك قد حفظتها! فقال: ليس الاعتبار بالألفاظ، وإنما الاعتبار بالمعاني، سلوني عن جميع مسائلها، فإن قصرت كان الصحيح معكم، وإلا فسلموا لي ما قلت.

[وحكى لي] (١) سعد الدِّين مسعود والي الجولان [قال] (٢): كنت واليًا بالشَّوْبك، وكان بها راهبٌ منفرد في بعض الجبال، فجاءني كتابُ المعظَّم بنفيه، فنفيته، فغاب سنة، وجاءني بكتاب المعظم يقول: أعده إلى مكانه، وتوصَّى به. فبحثتُ عن قِصَّته وإذا به قد بَعَثَ به إلى البحر كشف له أخبار الإنبرور على وَجْهها، وإنما نفاه لئلا يتَّهم فيتأذَّى، وأطلق له أرضًا يعيش منها، وأعطاه مئة دينار.

وقال المصنِّف : لما قدم خالي أبو محمَّد يوسف إلى دمشق سنة ثلاثٍ وعشرين بخِلْعة الخليفة كان رسول الخوارزمي قد سبقه بيومين، ومعه خِلْعة الخوارزمي وفرسه وحربتان، وبلغ خالي، فقال لي: أبصر أيش يعمل، إنْ لبس خلعة الخوارزمي قبل خِلْعة الخليفة كان وَهْنًا علينا. فكتبتُ إليه ورقة أعرِّفه ما يجب من طاعة الإِمام، وفي جملة ما قلت: إن خالي قد سألني في هذه القضية، فَبَيِّضْ وَجْه هذه الشَّفاعة، وكلامًا هذا معناه، فكتب إليَّ: السمع والطَّاعة، مهما أمرت ما أخالف.

وأصبح فَلَبِسَ خِلْعة الخليفة ساعةً، وأعطاها للملك الجواد، فركبتُ بعد يومين لأشكره، فوجدته عند مشهد القدم، وقد رجع التسيير، فبينا هو يحدِّثني لاحت غبرة من ميدان الحصى، فقال: فلان الدِّين تقدم، فلي إليك شغل، وهذا خالك أريد أن أضيفه. وكان إلى جانبي جماعةٌ من الأعيان، فساقوا بين يديه، وشَرَعَ يحدِّثني، ووصل خالي، فَسَلَّم عليه، وسقنا إلى تحت القلعة فقال: لي شغل، فبالله ادخل معنا، واقعد ساعة. فدخلتُ، وعمل سماطًا عظيمًا، فلما أكل خالي وخرج، وتفرَّق النَّاس، وأذن الظهر. فقلتُ: أيش قعودي؟ فقال: وأيش تَمَّ من الحوائج؟ قلتُ: فأنت من مشهد القدم تقول: تقدَّم، وتقول السَّاعة: وأيش تّمَّ من الحوائج؟ فقال: هذا وأنتَ بغدادي! ما أردتُ إلَّا أن يرى خالك منزلتك عندي، فيحكي للخليفة ذلك. فدمعت عيني، وقلت: حرامٌ عليَّ صحبة غيرك.


(١) في (ح): وقال سعد الدين … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) ما بين حاصرتين من (ش).