للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما عاد خالي من مصر وقد جاءت كُتُبُ الخوارزمي يعتبه على لبس خِلْعة الخليفة، فخاف، وقال: غدًا يدخل خالك من مِصْر. قلتُ: وأين ينزل؟ فقال: أين أراد. فقلتُ: الله، الله لا تغتر بالخوارزمي فما يدوم، والخلافة في بني العباس باقية، ومعاداة الخلفاء ما هي هيِّنة. فأنزلهم، وأكرمهم، وخَلَعَ عليهم، وخرج جاء إلى حماة، فجاءته وفاةُ الظَّاهر بها.

ولما توقف النَّاس عن الخروج إلى الغَزَاة كَتَبَ إليَّ بخطه كتابًا يقول فيه: قد عرفتُ عزيمةَ الأخ التي جَرَّدها في سبيل الله ابتغاءً لرضاه، وشكرتُ ما يقصد من المساعي في ذات الله ويتوخَّاه، فليقدِّم حضوره إلى أخيه، ومحبِّه المشار إليه، ليقوم من خدمته بما يجب عليه.

وكان يحبُّ الفقهاء، ويحرِّضهم على الاشتغال [بالعلم] (١)، فيقول: مَنْ حفظ نصَّ "الجامع الكبير" للكرماني أعطيته مئة دينار، ومن حفظ "الإيضاح" لأبي عليٍّ في النحو أعطيته ثلاثين دينارًا، فحفظ الكتابين جماعة، ووفى لهم بما شرط.

ذِكْرُ وفاته:

كان قد جهَّز العساكر إلى نابُلُس خوفًا من اتِّفاق الكامل مع الإنبرور، ومرض في نصف شَوَّال، وكان عنده رُسُل الخوارزمي، [فحكى لي نجم الدين بن سلَّام (٢) قال] (١): وقد غَرِمَ عليهم في تسعة أشهر تسع مئة أَلْف دِرْهم، واشتدَّ مرضه، وأصابه ذَرَبٌ عظيم بحيث إنَّه رمى قطعةً من كبده ومصرانًا، وكَثُرَتِ الأقوالُ أَنَّه سُقي السُّمَّ، واتُّهم به جماعة، وربك الخبير.

قال المصنِّف : وآخر عهدي [به] (١) ليلة الجمعة تاسع [عشرين] (١) ذي القَعْدة دخلت عليه آخر النَّهار، وعنده ولده الملك النَّاصر داود، وكريم الدين الخِلاطي، ويعقوب الحكيم وقد تغيرت أحواله، وطلع الموتُ في محاسن وجهه المليح، فبكيتُ، فقال: حاشاك حاشاك. وتحته طراحة خفيفة بندقي ومخدة ولحاف من جنسها، وعلى رأسه كوفية، وعند رأسه صينية اسباذروه فيها تراب، فقلتُ لكريم الدين: ما هذه؟ قال: يتيمَّم لكلِّ صلاة، وكان المعظم يقول: والله ما فاتتني صلاةٌ قط. قال كريم الدين بعد ذلك: باتَ الليلة التي مات في صبيحتها ساهرًا، فغفت عينه قبل الفجر، وكان قد قام قيامًا عظيمًا، ففتح عينيه وقد كادتِ الشَّمس أن تطلع، فلم يقدر على التيمُّم، فصلَّى


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) ستأتي ترجمته في وفيات سنة (٦٤٢ هـ)، وستأتي بعض أخباره في حوادث سنة (٦٣٦ هـ).