للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالإيماء، وكان [دائمًا يقول: ما أظن يدخل ملك إلى الجنة، و] (١) يقول: الموتُ خيرٌ من الحاجة إلى النَّاس، ويقول: قد صَحَّ عن النَّبي أنه قال: "لا يجتمع غُبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنم في منخري عبد أبدًا" (٢). وكم في منخري من ترابٍ في سبيل الله.

وتوفي ثالث ساعة من نهار الجُمُعة أَوَّل يوم من ذي الحِجَّة، وغَسَّله النَّجْم خليل، وكريم الدِّين يَصُبُّ عليه، وكان قد أوصى أن لا يدفن في القلعة، ويخرج إلى الميدان، ويظهر تابوته، ويصلِّي عليه المُسْلمون، ويحمل إلى قاسيون، فيدفن على باب تُرْبة والدته تحت الشجرة، فلم تنفذ وصيته، ودُفِنَ في القلعة، ثم أُخرج بعد ذلك بمدَّة (٣) لما ملك الأشرف دمشق على حال غير مرضي، بين يديه نصف شمعة، والغرز خليل معه، [(٤) وبلغني أَنَّ الحمالين طلبوا ما يربطوه به على النعش، فقيل لأحدهم،: اربطه بعمامتك. ودُفِنَ مع والدته في القُبَّة عند الباب، وفيها أخوه المغيث، وعمل له العزاء ثلاثة أيام في جامع دمشق.

وجرى على الرَّعية [في وفاته] (١) ما لم يجرِ عليهم عند موت أحد من الملوك، [رأيت بنات البيوت اللواتي لم يخرجن قط من خدورهن من أوائل الليل يأتين إلى تحت القلعة، وقد شققن ثيابهن، ونشرن شعورهن، ومعهن الدرادكه فيلطمن عليه، ثم يمشين في الأسواق، ويلطمن إلى الصباح، أقمن على ذلك شهرًا، وكذا في الميادين طول النهار، وتكلمت أول يوم في عزائه، فغلبني البكاء،] (١) وكان محسنًا إلى الرَّعية، ذابًا عن حريمهم، رفيقًا بهم، يعرف صغيرهم وكبيرهم.

قال المصنف : وكان يحضر مجالسي بالقُدْس وبجامع دمشق، فيبكر، ويقعد عند المنبر الذي عند باب المشهد بين العامة، ولما رَجَعَ من الحجِّ في سنة إحدى عشرة وست مئة


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) بنحوه عند أحمد في "المسند" (٧٤٨٠)، وهو صحيح بطرقه وشواهده.
(٣) كان ذلك في ليلة الثلاثاء، مستهل محرم سنة (٦٢٧ هـ)، انظر "وفيات الأعيان": ٣/ ٤٩٥.
(٤) في (ح): وطلب بعض الحمالين ما يربطه به على النعش، فقيل له: اربطه بعمامتك، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).