للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الأشرف يقول: الله بيني وبين الساعة التي ولدت فيها. ومعناه أَنَّه ولد قبل المعظم بليلةٍ أو أكثر، فكان يقف في خدمة العادل فوق المعظم على ما جرت به عادتُهم في كبر السِّنِّ.

ذِكْرُ طَرَفٍ من شجاعته: قد ذكرنا أنه [التقى بالفرنج على القيمون، وقتل منهم مئة فارس، وأسر منهم مئة فارس، ودخل بهم القدس منكسة أعلامهم، و] (١) كسر الفرنج غير مَرَّة، وأخرب قيسارية [والنقر ودعوق] (١) وحصونًا كثيرة في السَّاحل، وكان بالغَوْر حرامي يقال له: قنديل، معه مئةُ رجل، فكان يقطع الطَّريق بين بَيسان وأريحا.

قال المصنف: فحكى لي المعظم، قال: بلغني أَنَّ الفرنج قاصدين القُدْس، فخرجتُ من دمشق بعد الظُّهر، وما معي غير ركبدار وقلاوز مملوكي، وقلتُ للجماعة: اتبعوني، وسقتُ، فبتُ بالمطوق، وقمتُ في الليل، فأصبحت ببَيسان، فتغديت، وساق معي والي بَيسان، وأُنسيت قنديل، فسقتُ أريد أريحا، فبينا أنا في غدرة بَيْسان، وإذا بقنديل قد خرج، ومعه رجاله، ولم يكن معي عشرة خيالة، فوقفتُ وصحت فيه: والكْ أنت قنديل؟ قال: نَعَمْ. وبيده قوس، لو ضرب سهمه في الجبل لنفذ فيه، فقلتُ لبعض المماليك: انزل إليه، فنزل، فقلتُ: اكتِفْهُ بوتر قوسه، فكتَّفَه، وانهزمَ أصحابه، وأخذتُ وتر القوس بيدي، وسقتُ إلى قراوى، وهو ساكتٌ، فالتقاني رؤساء قراوى وهو معي، فخافوا، ونزلتُ عندهم، وقلتُ لهم: هذا برؤوسكم، ما أعرفه إلا منكم في القُدْس. ونمتُ عندهم إلى السَّحَر، وركبتُ، فدخلتُ القُدْس، وكانت عادته أن يبيت من دمشق إلى القدس في الطريق ليلة واحدة وبعض أخرى، فلما كان من الغد جاؤوا وهو معهم، فقلتُ: [اخرجوا و] (١) اشنقوه. وكان شابًّا مليحًا شجاعًا، فقال: يا خوند، عوض ما تشنقني ما تستبقيني أحمي بلادك، وأجاهد الكُفَّار بين يديك؟ [قال:] (١) فرقَّ له قلبي، وخلعتُ عليه، واستحلفته، وأطلقته، فنزل الغَوْر، فأقام فيه الخفراء، فأمنَتِ الطرق، وحُفظت الأموال، ولما نزلتِ الفرنجُ على الطّور جاهدهم جهادًا عظيمًا، وحفظ الباب، فلما رأى الغلبة خرج إليهم، فقتل منهم جماعةً، ثم استشهد، [] (١).


(١) ما بين حاصرتين من (ش).