للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ركعة، كم جَرَتْ لهم على تلك المساكن من دمعة، تالله لو صارت عيونهم عيونًا لما وَفَتْ، ولو تقطَّعت قلوبُهم أسفًا لما شفت، أحسن الله عزاء المسلمين، يا خجلة ملوك المسلمين، لمثل هذه الحادثة تسكب العبرات، لمثلها تنقطع القلوب من الزَّفرات، لمثلها تعظم الحسرات، [وذكر كلامًا طويلًا، وأكثر الشعراء في حديث القدس،] (١) وكان بعض أصدقائي نظم أبياتًا، فاقتضى الحال إنشادها، وهي هذه الأبيات (٢): [من الطويل]

أَعَينَيَّ لا تَرْقَي من العَبَرَاتِ … صِلِي بالبُكا الآصال بالبُكُراتِ

وأَذْرِي دموعًا كالشَّرار يطيره … لهيبُ الحشا من عاصفِ الزَّفراتِ

لعلَّ سيولَ الدَّمْع يُطفئ فَيضُها … تَوَقُّدَ ما في القلب من جمراتِ

ويا فَمُ بُحْ بالشَّجْو منك لعلَّه … يروِّحُ ما ألقى من الكُرُباتِ

على المسجدِ الأقصى الذي جَلَّ قَدْرُه … على موطنِ الإخْباتِ والصَّلواتِ

على منزل الأملاكِ والوحي والهُدَى … على مَشْهَدِ الأبدال والبَدَلاتِ

على سُلَّمِ المعراجِ والصَّخْرة التي … أنافَتْ بما في الأرضِ من صَخَراتِ

على عَرْشِ ملك الله في الأرض قبل أَنْ … يرى العَرْشَ والكرسيَّ ذا الدَّرجاتِ

على القِبْلة الأُولى التي اتَّجهتْ لها … صلاةُ البرايا في اختلافِ جهاتِ

على خيرِ معمورٍ لأكرمِ عامرٍ … وأشرفِ مبنيٍّ لخيرِ بُناةِ

ومعمار داود ذو الأَيد وابنه … سليمان ربّ المُلْك والزّلفاتِ

عفا المسجدُ الأقصى المباركُ حَوْله الرَّ … فيعُ العمادِ العالي الشُّرفاتِ

عفا بعدما قد كان للخير مَوْسمًا … وللبِرِّ والإحسانِ والقُرُباتِ

يوافي إليه كلُّ أشعثَ قانتٍ … لمولاه بَرٌّ دائمُ السَّجداتِ

خلا من صلاةٍ لا يَمَلُّ مقيمُها … تُوَشَّحُ بالآياتِ والسُّوَرَاتِ

خلا من جسومٍ بالعبادة نُحَّلٍ … ومن أَوْجُهٍ بالخوفِ مُمْتَقِعاتِ

خلا من عيونٍ شُرَّهٍ ببكائها … وأفئدةٍ من رَبِّها وَجِلاتِ


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) وقد أورد معظم أبيات القصيدة كذلك أبو شامة في "كتاب الروضتين": ٤/ ٣٣٥ - ٣٣٦ بتحقيقي.