وكان يحكي عن نفسه الحكايات [ويخبر بالواقعات](١)، فمن ذلك قال: دخلت على الشيخ محمد بن قائد بأَوَانا، وبت تلك الليلة في رباطه، فعدا عليه اثنان من الحشيشة، [فقتلاه]، (١)، فأُخذا، وعُذِّبا بأنواع العذاب، وعُذِّبْتُ معهما، وقيل لهما: ما الذي جرأكما على قَتْل هذا العابد أو العَبْد الصَّالح؟ قالا: بلغ كبيرُنا عنه شيءٌ أوجب قتله، فقتلناه. قالوا: وهذا الفقير؟ فقالوا: والله ما نعرفه، ولا هو منا، نحن لنا ها هنا مُدَّة، وهذا البارحة وصل، فسألوني، فقلتُ: والله ما أنا منهم، إنما قصدتُ زيارة هذا الشيخ [وطلب بركته](١)، فاتفق ما جرى، ورفع أمري إلى أمير المؤمنين النَّاصر، فأحضروني إلى حضرته، والوزير جالس، وبيننا وبين الخليفة سِتْرٌ، فسألني الوزير، وقال: أيش كان بينكم وبين هذا الرجل؟ فقلتُ: والله ما أنا منهم، وإنما أنا فقير، قصدتُ زيارة هذا الشيخ وأمثاله أطلب بركته، فكان ما ترى، والخليفة يسمع كلامي، فقال الوزير: فقد قلتَ: إنَّك فقير، فمن يعرفك من الفقراء المقيمين في البلد؟ فقلتُ: ما يعرفني إلا من هو خَلْف هذه السِّتارة. فأغلظ لي الوزير، فخرج إذْنُ الخليفة بأن أُبَيِّن ما قلتُ. فقلتُ: أنا ابنُ الدَّاية؛ خادمة المرحومة سلجوق خاتون، وكنتُ أتردَّد إلى خِدْمة مولانا أمير المؤمنين فيما يعرض لها من الحوائج. فأمر الخليفة بإخلاء المجلس، وخرج من داخل السِّتارة، وهو يمسحُ عينيه من البكاء لما ذكرتها، فلما رآني قال: لا إله إلا الله، وأنتَ في الدُّنيا، وانقطعت أخبارك عنا! وشرع يحدِّث حديثها، ثم قال: تكون في خدمة ضريحها، وتتولى ما أوقفنا عليها من الأوقاف. فقلتُ: يا مولانا، أنا رجلٌ قد خرجت من هذه الدنيا، ولزمتُ طريق الفقر، وما أقدر على الدخول في شيء من الدُّنيا. فعرض عليَّ شيئًا من المال، وقال: أَصْلِحْ به حالك وحال مَنْ معك، ومن يصحبك. فقلتُ: متى أخذت منه شيئًا فَسَدَ حالي، وتغيَّرت طريقي، وقَصْدي تخلية سبيلي. فسألني عمن لقيتُ من المشايخ، فأخبرته، وخرجت معزَّزًا مكرمًا، [وذكر كلامًا طويلًا](١).
[قلت: الإخلاطية توفيت في سنة أربع وثمانين وخمس مئة في السنة التي قتل فيها ابن قائد، وقد ذكرناها هناك](١).
(١) ما بين حاصرتين من (ش)، وانظر ج ٢١/ ٣٦٧ من هذا الكتاب.