بهلاككم. فشكروه، واعترفوا بجميله، وسألوه أن يقبل منهم شيئًا من الدُّنيا، فامتنع من ذلك، فأطلقوه.
وكان قد تأذَّى من بعض الأصحاب بالقُدْس، فخرج منه إلى الدِّيار المِصْرية، ثم نظر إلى الأسوار وحُسْنها، فقال: كأنِّي بالمعاول تعمل فيها. فقيل له: معاول المسلمين أو معاول الفرنج؟ فقال: لا، بل معاول المسلمين. فكان كما قال.
وقال المصنِّف ﵀: كان مقيمًا بالقدس قبل خرابه، وكنتُ أجتمع به، واتَّفق أنني يوم عيد الفطر أكلتُ سمكًا مالحًا، وصَعِدْتُ إلى زاويته، وقعدنا نتحدَّث، فجاءت الشمس عليَّ، وعطشت عطشًا شديدًا، وإلى جانبه إبريقٌ، فيه ماء بارد، فاستحييتُ أن أطلبه منه، فاحمرَّ وجهه، ومدَّ يده إلى الإبريق، فقال: اشرب، فكم تكاشر!
وكان يفتح عليه بالدِّينار والمئة والدِّرْهم والألف، فيفرِّقها في الحاضرين، ولا يدَّخر منها شيئًا، وإذا دخل الحمام ومعه ذهب أو فِضَّة أعطاه للحَمَّامي والقوام.
وقال: مررتُ براهبٍ في صومعة، فاطَّلع منها، وقال: يا فقير، أقسمتُ عليك بمن تعبده، أيُّ الطُّرُق عندكم أقرب إلى الله؟ فقلت: مخالفةُ النفس. فأغلق طاقته، ومضيتُ عنه، فلما كان بعد مُدَّة حججتُ، وإذا بالرَّاهب يطوف حول الكعبة، فلما رآني سَلَّم عليَّ، فقلت: مَنْ أنت؟ فقال: الرَّاهب الذي مررتَ به. فقلتُ: ما الذي أَوْصَلك إلى ها هنا؟ فقال: قولك: أقربُ الطُّرُق إلى الله مخالفةُ النفس. [وذكر حكاية طويلة.
قلت: كان الشيخ عبد الله صاحبي وصديقي، أقمت بالقدس مدة سنين، وكان يحضر مجالسي دائمًا، لا ينقطع إلا من عذر، واتفق أنه سافر إلى مصر قبل خراب القدس، فأقام بها مدة،] (١) وسببُ سفره من القُدْس أَنَّه كان به رجلٌ شرير يبغض الفقراء، ويتَّبع عثراتهم، يقال له: ابن عروة، فاتفق أن الفقراء عملوا سماعًا في الحرم ليلة الوقفة، فأنكر عليهم ابن عروة، وجرت فتنة عظيمة، فشكا ابنُ عروة الشيخَ عبد الله إلى المعظَّم، وقال: هؤلاء قوم قد هتكوا حُرْمة الحَرَم، ويتعبدون بالرَّقص،