كان يفعل تلك الأفاعيل تركناه عندكم، والرُّوح التي كانت تحبُّ هؤلاء قد صارت معهم. فرحمه الله، ورضي عنه رضي الأبرار، وجمعنا وإياه فِي دار القرار.
وكان الأشرف لما أحسَّ بوفاته فِي آخر سنة أربعٍ وثلاثين، وكنت أغشاه فِي مرضه، فقلت له: استعدَّ للقاء الله، فما يضرّك. قال: لا والله بل ينفعني. ففرَّق البلاد، وأعتق مئتي مملوك وجارية، ووقف دار فَرُّخْشاه التي يقال لها: دار السَّعادة، و [بستان](١) النَّيرب على ابنته، وأوصى لها بجميع الجواهر.
ذِكْرُ ما جرى بعد وفاته:
لما انقضى عزاؤه ركب أخوه الملك الصَّالح إسماعيل ركوبَ السَّلْطنة، وترجَّل النَّاس فِي ركابه، وصاحبُ حِمْص إِلَى جانبه، وعِزُّ الذين أيبك [قدامه](١) قد حمل الغاشية بين يديه، وعاد أسدُ الدِّين إِلَى حِمْص، وعز الدين إِلَى صرخد، وجاءت نجدة حلب، ووصلتِ الأخبار بوصول التتر إِلَى دقوقا، وصادر الصَّالح إسماعيل جماعةً من دمشق اتهمهم بالكامل، منهم العلم تعاسيف، وأولاد ابن مزهر، وابن عريف البدوي، وأخذ جميع مالهم، وحَبَسَ أولاد ابن مزهر ببُصْرى مقيَّدين، فأقاما مدة سنين، ومات أحدهما فِي الحبس مقيدًا، وأخرج الحريريَّ من قلعة عزَّتا، ومنعه من دخول دمشق، وجاء عسكر الكامل إِلَى قريب دمشق، وقَسَمَ الصَّالح الأبراج على الأمراء، وحصَّنها، وغلقت أبوابها، ووصل عِزُّ الدين أيبك من صرخد، وأمر بفَتْح أبوابها ففتحت، وجاء النَّاصر داود، فنزل المِزَّة، ونزل مجير الدين وتقي الدين القابون، وأحدق العسكر بالبلد، وجاء الكامل، فنزل عند مشهد القدم، وقطع المياه عن دمشق، واشتدَّ الحصار، وغلتِ الأسعار، ونصبوا على الأبواب المجانيق، وسدُّوا الأبواب بمرَّة إلَّا بابَ الفرج وباب النَّصْر، ورَدَّ الكامل ماء بردى إِلَى ثورا، وأخرب الصَّالح العُقَيبة والطَّواحين خرابًا شنيعًا، وأحرق قَصْر حجاج، والشَّاغور، وبدَّع بظاهر المدينة، وأخربه خرابًا لم يُعهد مثله، وأصبح أهل هذه الأماكن على الطرق يُكْدُون، واحترق جماعةٌ فِي دورهم.