للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخزانة [التي لا تخلو من الخيانة] (١). وكان عماد الدين بن موسك حاضرًا، فقال له: قُمْ، وأحضرِ الوديعة التي لي عندك. فقام عماد الدين، ومضى، وعاد، وعلى رأسه مئزر صوف أبيض، [تلوح منه أنوار الرِّضى] (١)، ففتحه، وإذا فيه خِرق الفقراء، وطاقيات الأولياء مثل الشيخ مسعود الرُّهاوي، والشيخ يونس البيطار، وعلي الفارسيّ، وجماعة الشيوخ، وكان فِي الثياب إزارٌ عتيق ما يساوي خمسة قراطيس، فقال: هذا يكون على جسدي، [أتقي به حر الوطيس] (١)، فإنَّ صاحبه كان من الأبدال، [وسادات الرجال] (١)، وكان حبشيًّا أقام بجبل الرُّها يزرع قطعةَ زعفران، يتقوَّت بها [برهة من الزمان] (١)، وكنتُ أصعد إِلَى زيارته، وأعرض عليه المال، فيمتنع، فقلتُ له يومًا: أنا أعرض عليك الدُّنيا، ولا تقبل، فأريدُ من أثرك ما أجعله فِي كفني [فقال: أفعل.] (١) فأعطاني هذا الإزار، [وقال] (١): قد أحرمت فيه عشرين حجة.

وكان آخر كلام الأشرف : لا إله إلَّا الله. ثم مات يوم الخميس رابع المحرم، ودفن بالقلعة، ثم نقل إِلَى تُرْبته بالكلاسة فِي جمادى الأولى (٢).

ولما كان بعد موته بأيام قَدِمَ رجلٌ من أهل حَرَّان، كان له عليه فِي كلِّ سنة شقاق قطن ولأولاده، ومئتا دِرْهم، فجاء إِلَى قبره، وجعل يبكي، ويقول: كان لي عليه رسم. فقال له بعضُ النَّاس: هو ذا يسمعك، [فإن أراد يعطيك فهو يعطيك] (١). فانكسر قلبه، وخرج إِلَى السُّوق، فالتقاه تاجرٌ من أهل بلده، وقال له: كم أنتظرك، خبأتُ لك من الزكاة مئتا درهم، وشقاقًا لأولادك. وأعطاه إياها، وقال: هذه رسم فِي كلِّ سنة لك عليّ.

قال المصنِّف : وحكى لي الشيخ الفقيه أبو محمَّد محمَّد اليونيني ببَعْلَبَك فِي سنة خمس وأربعين [وست مئة] (١) عند عودي من بغداد، قال: حكى لي فقيرٌ صالحٌ من جبل لبنان، قال: لما ماتَ الأشرف رأيتُه فِي المنام، وعليه ثياب خُضْر، وهو يطير بين السماء والأرض مع جماعةٍ من الأولياء، فقلت له: يَا موسى أيش تعمل مع هؤلاء، وأنتَ كنتَ تفعل فِي الدُّنيا وتصنع؟ فالتفتَ إِلَى وتبسَّم، وقال: الجسدُ الذي


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) قال إبراهيم عفا الله عنه: وما زال قبره ظاهرًا فيها، بالقرب من ضريح السلطان صلاح الدين يوسف بن أَيُّوب، وليس على القبر ما يدل عليه.