وأما الخُوارَزْمية فإنهم لم يحضروا الصُّلْح، ولم يعلموا به، فلما علموا رحلوا إِلَى داريا، فنهبوها، وأتلفوا ما كان عليها، ثم رحلوا نحو الشَّرْق، وكاتبوا الصَّالح إسماعيل، واتفقوا معه على أَيُّوب، وانتقض الصُّلْح الذي قرَّره أمينُ الدولة.
ووصل [ابن خالي](١) عبد الرحمن بن محيي الدين بن الجوزي، وابن سُنْقُر من بغداد بخِلَع السَّلْطنة للصَّالح أَيُّوب؛ وهي عِمامةٌ سوداء، وفَرَجية مُذْهبة، وتُرْس ذهب، وسنان محلاة، وغلامان، وطوق ذهب، وحصان بسرج، ولجام، وخِلَع لأصحابه، ومنشور، ومضيا إِلَى مِصْر، فالتقاهما، ولبسها على العَبَّاسة.
وعادت الخُوارَزْمية، فحصرت دمشق، وجاءهم إسماعيل من بَعْلَبك فِي ثالث [عشرين](١) ذي القَعْدة، وضيَّقوا على دمشق، فبلغت الغِرارة ألفًا وست مئة دِرْهم، والقنطار الدقيق تسع مئة درهم، والخبر أوقيتين الأربع بدرهم، والرطل اللحم بسبعة دراهم، وعَدِمَتِ الأقوات، وبِيع العَقَار بالدَّقيق، وأكلت الميتات والجِيف والدم والقطاط والكلاب، ومات النَّاس على الطُّرُق، ونتُنَتِ الدُّنيا، [فكان الإنسان إذا مَرَّ بالجبل وشَمَّ روائح النَّاس مرض ومات](١)، وضجر النَّاس من الغَسْل والتكفين، فكان النَّاس يخرجون، فيحفرون الآبار، ويرمون النَّاس بعضهم على بعض، ومع هذا كانت الخمور دائرة، والفِسْق ظاهر، والمكوس بحالها.
ولما علم الصَّالح أَيُّوب بأنَّ إسماعيل قد اتَّفق مع الخُوارَزْمية شَرَعَ يقطع عنه المنصور صاحب حمص، ويستميله ويمنِّيه، فأجابه.
[وفيها قدمتُ من مصر إِلَى قاسيون، ومرضت، فخرجت إِلَى العراق فِي السنة الآتية، فقدمت بغداد فِي رمضان](١).
وفيها وصلت الكُرْجية بنت إيواني زوجة الملك الأشرف التي أخذها الخوارزمي إِلَى خِلاط، ومعها منشور خاقان بخِلاط وأعمالها، وراسلت شهاب الدين غازي تقول: إنِّي كنت زوجة أخيك الأشرف، وخاقان هذا أقطعني خِلاط، فإنْ تزوَّجْتَ بي فالبلاد لك. فما أجابها، فأقامت بخِلاط، وكانت غاراتها تصل إِلَى مَيَّافارقين.