للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معدي كرب في حِجْر أبْرهة، لا يَحسبُه إلا أباه، فسَبَّه ابنٌ لأبرهة، وقال له: لعن الله أباك، فأتى أمَّه وقال: مَن أبي؟ قالت: الأشرم، قال: لا والله، لو كان أبي ما سبَّني فلانٌ ابنُه، فأخبرتْه بالقصة.

ثم إن الأشرم هَلك، وهلك ابنُه يكسوم، وولي مَسروق، وهو أخو معدي كرب لأمّه، فخرج معدي كرب إلى قيصر فلم يجدْ عنده فَرجًا، فرجع إلى كسرى، ووقف له على الطّريق، وناداه: أيُّها الملك، لي عندك ميراثٌ، فدعا به كسرى، وقال: مَن أنت، وما ميراثُك؟ فقال: أنا ابنُ الشّيخِ اليمانيّ ذي يزن، الذي وعدْتَه النُّصْرَة، فمات على بابك، فرقَّ له كسرى، وأمر له بمال فنثره في الدِّهليز.

وقال له مُوبَذ مُوبَذان: إن لهذا الغُلام حقًّا بموت أبيه على بابك، ونزوعِه إليك من أوطانه، وفي سجونك أهلُ البأس والنَّجدة، وذكر بمعنى ما تقدّم، وأنه جهَّز معه الرجال في السُّفن، ومقدَّمُهم وَهْرِز، وكان إِصْبَهْبَذ الدَّيْلم، فركبوا من الأُبُلَّة، وهي فَرْجُ بحرِ فارس، وقصدت [السفن] اليمن، فأَرْسَوا بمكان يقال له: مَثْوَب، من أعمال حَضْرَموت في ست مئة رجل، وقيل: في ألف.

وكان على اليمن مَسْروق بنُ أبرهة، فخرج إليهم في مئة ألف من الحبشة، ولحق بابنِ ذي يَزدْ عامَّةُ حِمْيَر، وكان وَهْرِز يُعَدُّ بألف رجل، ولما رأى مسروق قلَّتَهم، طمع فيهم، وبعث إليهم: إن شئتُم أن ترجعوا إلى بلادكم، فارجعوا.

وتهادنوا عشرة أيام حتى ينظروا، وكان لوَهْرِز ولدٌ، فقتلتْه الحبشةُ غِيلةً، فأَحرق وَهْرِز المراكب والزاد، وقال لأصحابه: ما عندي غير الموت، وبايعوه وبايعه ابنُ ذي يزن وأصحابُه على الموت، ثم استعدُّوا للقتال، ولم يكن أهلُ اليمن رأوا النُّشَّاب بعد.

وركب مسروق على فيل وعلى رأسه تاجه، وبين عينيه ياقوتة حمراء مثلُ البيضة، ولا يَظنُّ إلا أنه منصورٌ عليهم، ثم نزل عن الفيل، وركب حمارًا احتقارًا لهم، فقال وَهْرِز: هذا كبيرُهم؟ قالوا: نعم، قال: ذَلَّ مُلكُه بنزوله من الفيل وركوبه الحمار، ثم رماه وَهْرِز بسهم فوقع بين عينيه وخرج من قفاه، فخرَّ صريعًا.

وانهزمت الحبشة، وغَنِمت الفُرسُ أموالَهم وعساكرهم، وانقلبَتْ حِمْير والعرب مع الفُرْس، فقال وَهْرِز: دونكم السّودان، لا تُبقوا منهم أحدًا، فقتلوهم، ولم يَبْقَ