أن يتوجّه إلى الحرم، فوجَّهوه إلى اليمن فقام يُهروِل، فوجّهوه إلى الشام فتوجَّه، ثم إلى المشرق فتوجَّه، فصرفوه إلى الحرم فبرك، وخرج نُفَيْل يشتدُّ حتَّى صعد الجبل، وأرسل الله طيراً من البحر أمثالَ الخَطاطيف، مع كلّ طَيْرٍ منها حَجرٌ في منقاره، وحجران في رِجلَيْه، أمثالَ الحمّص والعَدَس، فلما غَشِينَ القومَ أرسلْنَها عليهم، فلم تُصبْ تلك الحجارةُ أحداً إلَّا هلك، وليس كلّ القوم أصابت، فخرجوا هاربين، يبتدرون الطريق الذي جاؤوا منه، ويسألون عن نُفَيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نُفيْل حين رأى ما أنزل الله بالقوم من النقمة:[من الرجز]
أين المَفَرُّ والإلهُ الطَّالبْ … والأشرمُ المَغْلوبُ غيرُ الغالبْ
ومَرِج أمرُ القوم، وماج بعضهم في بعض، فخرجوا يتساقطون في كلّ طريق، ويهلكون على كل مَنْهل، وبعث الله على أبرهة داء في جسده، فجعل تتساقط أناملُه وجسدُه، كما سقطت أُنملةٌ اتَّبعتْها أُنملة، فانتهى إلى صنعاء وهو مثل الفَرْخ، ثم انصدع قلبُه ومات.
وقيل: كان أبو مسعود الثَّقفيُّ -وهو مكفوف البصر- يصيف بالطائف، وَيشتو بمكة، وكان رجلًا نبيهاً نبيلاً، وكان خِلّاً لعبد المطّلب، فقال له: يا أبا مسعود، ماذا عندك؟ هذا يوم لا يُستغنى فيه عن رأيك.
فقال أبو مسعود: اصعَدْ بنا حِراء، فصعدا الجبل، فمكثا فيه، فقال أبو مسعود: اعْمِد إلى مئةٍ من الإبل، فاجعلها لله تعالى، وقلّدها، ثم بُثَّها في الحرم، لعلَّ بعضَ هذه السُّودان أن يَعقرَ منها، فيغضبَ ربُّ هذا البيت فيأخُذَهم، ففعلَ عبد المُطَّلب ذلك، فعمد القوم إلى تلك الإبل، فعقروا بعضها.
فقال [أبو مسعود]: إن لهذا البيت ربّاً يمنعُه، فقد نزل تُبَّع وأراد هدمه، فمنعه الله وابتلاه، فكساه، وعظَّمه، ونَحَر له، فانظر نحو البحر، فنظر عبد المطّلب فقال: أرى طيراً بِيضاً، نشأت من شاطئ البحر، قال: فهل تعرفُها؟ قال: لا والله، وليست بنجديّة، ولا تِهامية، ولا عدنية، ولا شامية، وهي أمثال اليعاسيب، في مناقيرها حصًى مثلُ حصى الخَذْف، قد أقبلت كالليل، يَتبع بعضُها بعضاً، أمام كلِّ فرقةٍ طائرٌ أحمر يقودُها.