فجاءت، حتَّى إذا حاذَت العسكرَ طارت فوق رؤوسهم، ثم هالَتْ عليهم ما في مناقيرها، وعلى كلِّ حَجَرٍ مكتوب اسمَ صاحبه، ثم إنَّها انصاعت راجعةً من حيث جاءت.
فلما أصبحا نزلا من الجبل، وجاءا إلى العَسْكر فإذا هم خامدون، يقع الحجر على بَيْضة أحدهم فيخرقها، وتغيبُ في الأرض، فحفر عبد المطّلب حفرة له، وحفرة لصاحبه، وملأَهما ذهباً أحمر، ونادى في النَّاس فتراجعوا، وأصابوا من أموالهم ما ضاقوا به ذرعاً.
وقال أبو الجَوزاء: خلقها الله في ذلك الوقت، فكان الحجرُ يَنفُذ في البيضة، وَيغيب في دماغ الرَّجل، ثم يَخرج فيغيب في الأرض من شدَّة وَقعه، وكذا فعلت بالدَّواب والفِيَلة، إلَّا محموداً فإنَّه سَلِم لكونه لم يَقدرْ على الكعبة، وأفلت أبو يَكسوم صاحبُ جيش أبرهة، ووزيرُه ونديمُه، فسار إلى الحبشة وعلى رأسه طائر لم يَشعر به، حتَّى دخل على النجاشي فأخبره بما أصابهم، فلما استتمّ كلامَه، رماه ذلك الطائر بحجر فقتله، فأرى الله النجاشي كيف كان هلاكهم.
وامتلأت بهم الأوديةُ، وفِجاجُ مكّة، فبعث الله سيلاً، فحملهم فألقاهم في البحر، وعَظُمَت قريش في أعين النَّاس، وقالوا: هؤلاء أهلُ الله، قاتل عنهم، وكفاهم مؤونةَ عدوِّهم، وأكثر النَّاسُ الأشعارَ في ذلك، فقال أميَّة بن أبي الصَّلْت:[من الخفيف]
إن آياتِ ربِّنا بيِّنات … ما يُماري فيهنَّ إلَّا الكَفُورُ