للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالقُعود، و [هُذَيل بن] الأَخْنَس كان حازماً يأمرهم بالرَّحيل، وأنذرت بنو عَمروٍ بني مالك، فخالفوهم، وقالوا: ما نَدري ما يقول صاحبكم، وما نحن بمتحوِّلين، وصَبَّحَتْهم اللهازمُ، فوجدوا بني عَمْرو قد ارتحلوا، فاجتاحوا بني مالك (١).

قال المصنف : وقد روي أن الأسير حَمّل الرسول رسالة بغير محضر من اللهازم، وهو الأصح لأنَّ هذا الكلام ظاهرٌ في التحذير من الرسول، فكيف كانوا يمكِّنونه من أداء هذه الرسالة.

ومنها يوم الهَباءة، لقيس بن زهير العَبْسي على حُذَيفة بن بدر الفَزَاري، قتله قيس في جَفْر الهَباءة، وهو مستنقعٌ بها، وقال أبو عبيدة: كانت الدائرة لبني عَبْس على ذُبْيان، قُتِلَ حذيفةُ وحَمَل ابنا بدر الذُّبْيانيّان، التقوا في يوم شديدِ الحَرِّ، فاقتتلوا إلى جانب جَفْر الهَباءة من أوّل النهار حتَّى اشتدّ الحَرُّ وحَجَز بينهم، وركض حُذَيفة وحَمَل ومالك بنو بدر، وكان حُذيفة على فرس يقال له: صارف، وأخوه حَمَل على الحَنْفاء، فنزلوا الجَفْر، فقال قَيس بن زُهير: يا بني عَبْس احْذَروا أن يَفوتوكم، فساقوا خَلفهم، فأدركوهم في الجَفْر، فرآهم حَمَلُ بنُ بدر، فقال لحُذيفة ومَن معه: مَن أَبغضُ إليكم أنْ يقفَ على رأس الجَفْر؟ فقالوا: قيس بن زهير والرَّبيع بن زياد، قال: فهذا قيس والرَّبيع، فصاح قيس: لبَّيكُم لبَّيكُم، أشار إلى الغِلْمة الذين أوصى بهم سُبَيع بن عمرو ولدَه مالك بنَ سُبَيع وقال: لا تُسلمهم إلى حُذيفة، وأنه سلّمهم إليه فقتلهم حذيفة، وقد ذكرناه (٢)، وإنَّما صاح قيس: لبّيكم لبّيكم، لأنهم كانوا يُنادونه: يا أبه يا أبه، وحذيفةُ يَقْتلهم، قال حُذيفة: يا قيس ناشدتُك الله والرَّحِم، فقال قيس: لبّيكم لبّيكم، فعلم حذيفةُ أنَّه قاتلُه، فقال: والله لئن قتلتَني لا تنصلحُ غطفانُ أبداً، فقال قيس: أبعَدَها الله ولا أَصلَحها.

ثم تَوافت فرسانُ بني عَبْس، وكان معهم في الجَفْر وَرْقاءُ بنُ هلال الثّعلبيّ وحَنَش ابنُ وَهْب، وحمل عليهم شَدَّاد بنُ معاوية العَبْسي، فحال بينهم وبين خيولهم، وقتلوا الجميع، ومثّلوا بحذيفة كما فعل بالغِلْمة، وقطعوا مذاكيرَه وجعلوها في فِيه، ودَسُّوا


(١) النقائض ٣٠٥ - ٣٠٧، والعقد ٥/ ١٨٢ - ١٨٤ وما بين معكوفين منهما، وانظر الملاحن لابن دريد ٥٦، وأمالي القالي ١/ ٦، واللآلي ١/ ٢١، ومعجم ما استعجم ٤/ ١٣٨٢، ومجمع الأمثال ٢/ ٤٣٣.
(٢) في يوم حُسا.