للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقَتلتُ ربَّهم زُهيراً بعد ما … جَدَعَ الأُنوفَ وأكثرَ الأوتارا

وجعلتُ مَهرَ بناتِهم ودياتِهم … عَقْلَ الملوكِ هَجائناً وبِكارا (١)

ومنها يوم وارِدات، وهو من أيّام حرب البَسوس، ظهرت فيه بنو تَغْلب على بَكْر، وقتلت فيهم هَمَّامَ بن مُرَّة، أخو جَسَّاس لأبيه وأمه، فمرَّ به مُهَلهل فقال: والله ما قُتل بعد كليب قتيل أعزُّ منك (٢).

ومنها يوم الوَقيط، كان في الإسلام بين تميم وبَكْر بن وائل، تجمّعت اللهازمُ ليغيروا على تميم وهم غارُّون، وكان ناشِبُ بن بَشامة العَنْبريّ أسيراً في بني سَعْد بن مالك، وكان أعورَ، وكان حَنْظلة بنُ الطُّفيل أسيراً في بني سعد بن مالك أو في بني العَنْبر، فقال ناشب: أعطوني رسولاً إلى بني العَنْبر، أوصيهم بصاحبكم خيراً، كما تفعلون معي من الإحسان، فقالوا: على أن تُوصيه ونحن حُضور، قال: نعم، فأحضروا رجلًا، فقال له ناشب: اذهب إلى بني العَنْبر، وقل لهم يُحسنوا إلى أسيرهم، وملأ كفَّه من الرمل، وأشار إلى الشَّمس، وقال: قل لهم يُعْروا جَملي الأَصْهب، ويركبوا ناقتي العَيْساء، و [يَرْعَوا] حاجتي في بني مالك، وأن العَوْسَجَ قد أَورَق، وأن النّساء قد اشتكت، ولْيَعْصوا همّام بنَ بَشَامة فإنَّه مَشؤوم، ويُطيعوا [هُذَيل ابن] الأَخْنَس فإنَّه حازمٌ مَيمون.

فمضى الرَّسولُ إليهم وأدَّى الرِّسالة، فلم يَفهموا ما قال، وقالوا: والله لا نَعرفُ له ناقةً عَيْساء، ولا جَملاً أَصهب، ومضى الرَّسول، فقال رجل من بني العَنْبَر: ويحكم! والله إنه يقول حقّاً لو فَهمتُم، أما الرَّمْلُ الذي قَبض عليه، فإنَّه يقول: أتاكم عدوّكم كعدد الرمل، وأمَّا إشارتُه إلى الشَّمس فإنَّه قال: يُوافونكم عند طُلوع الشَّمس، وأمَّا الجملُ الأَصْهب فهو الصَّمَّان، والنّاقة العَيْساء هي للدَّهْناء، وهو يأمرُكم أن تَحترِزوا [فيها] وأما بنو مالك فهو يأمرُكم أن تُنذروهم، وأن تتمسكوا بالحِلف الذي بينكم وبينهم، وأمَّا العَوْسَج فيقول: إنهم قد لَبِسوا السِّلاح، وأمَّا اشْتكاءُ النساء فيقول: قد عَمِلْن لهم كلَّ ما يَحتاجون إليه حتَّى أسقيةَ الماء، وأمَّا هَمّام بن بَشَامَة فكان جَباناً يَأمرُهم


(١) العقد ٥/ ١٣٥ - ١٣٧، والأغاني ١١/ ٩٠.
(٢) العقد ٥/ ٢١٩.