للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خاض الغَداةَ إلى طريف في الوْغى … حَمَصيصةُ المِعْوانُ في الهيجاءِ (١)

ومنها يوم مَنْعِج، قُتل فيه شَأسُ بن زهير، وكان قد أقبل من عند النّعمان بن المنذر وقد حباه بمالٍ وطِيبٍ كثير، وفيه قَطيفةٌ حمراء ذاتُ أهداب، فورد مَنْعِج، وهو ماءٌ لغَنيّ، فأناخ راحلتَه إلى جانب الرَّدْهَة، وعليها خِباءٌ لرِياح بن الأَسَل الغَنويّ، فجعل يغتسل، وامرأةُ رِياح تنظر إليه، وهو مثل الثّور الأبيض، فرماه رياح بسهم فقتله، ونَحر ناقتَه فأكلها، وضمَّ متاعَه، وغَيَّب أثرَه، وفُقِد شأس، حتَّى وجدوا القطيفةَ الحمراء تُباع في سوق عُكَاظ، قد باعتها امرأةُ رياح، فطلبوا رياحاً ليقتلوه، فأفلت إلى قومه فنجا (٢).

ومنها يوم المُرَيْقِب، كان لبني عَبْس على فَزارة، اقتتلوا فانهزمت فَزارة، وقَتَل عوفَ بنَ بدر عنترةُ، وقَتل أيضاً ضَمْضَماً المُرِّي، وبلغ عنترة أن حُصينَ بن ضَمضم وأخاه يَتواعدانِه ويشْتُمانه، فقال: [من الكامل]

يا دارَ عَبْلَةَ بالجِواءِ تَكَلَّمي … وعمِي صباحاً دارَ عَبْلَة واسلمي

إلى أن قال:

ولقد خَشيتُ بأن أَموتَ ولم تَدُرْ … للحربِ دائرةٌ على ابنَي ضَمضَمِ

الشَّاتِمَيْ عِرضي ولم أَشُتُمهُما … والنَّاذِرين إذا لَقيتُهما دَمي

إن يَفعلا فلقد تَركتُ أباهما … جَزَرَ السِّباع وكلِّ نَسرٍ قَشْعَمِ (٣)

ويُقال: إن عَنترة لم يَقتل عوفَ بن بدر، وإنَّما قتل ضَمْضَماً المُرِّي في ذلك اليوم.

ومنها يوم النَّفْراوات، قُتِل فيه زُهير بن جَذيمة بن رَواحة العَبْسيّ، وكانت هَوازن تؤدي إليه الإتاوَة، فجاءته عجوزٌ بعُكَّةِ سَمْن، فذاقها فلم يَرْضها، فقال: ما هذا؟ فقالت: تتابعُ السنين والقَحْط، فضربها بقوس في صَدْرها، فوقَعَتْ على ظَهْرها، وبدت عورتُها، وبلغ خالد بنَ جَعْفر الكلابي فقال: والله لأقتلنّه، ثم غزاه، فخرج زُهير إليه فقاتله، فجُرِح زهير، وأقام ثلاثة أيَّام لا يَسقونه ماءً خوفاً عليه، فعطش. فقال: اسقُوني، فسَقَوه فمات، فقال خالد بن جعفر: [من الكامل]


(١) مجمع الأمثال ٢/ ٤٤٢، وروايته: خاض العُداة … المغوار.
(٢) العقد ٥/ ١٣٣، والأغاني ١١/ ٧٥.
(٣) العقد ٥/ ١٥٣ - ١٥٤، والأبيات في ديوانه ١٨٧ و ٢٢١.