للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت لها ناقَةٌ يقال لها: سَرَاب، فرآها كُلَيب ترعى في حِماه، وقد كَسَرت بَيضَ طائرٍ كان قد أجاره، فرمى ضَرْعها بسهم فوثب جَسَّاسٌ على كُلَيبٍ فقتله، فهاجت الحربُ بين بَكْر وتَغْلب ابني وائل بسببها أربعين سنة، حتَّى ضربت بها العربُ المَثلَ في الشُّؤْم، وكان بين هذه الحرب ومبعث رسول الله ستون سنة.

وقال أبو عبيدة: وكان للبَسوس جارٌ من جَرْم يقال له: سَعد بن شمس، وكان له ناقة يقال لها: سَراب، وكان كُلَيب قد حمى أرضًا من أرض العالية في مستقبل الرَّبيع، فلم يكن يرعاها أحدٌ إلَّا جسّاس لمصاهرةٍ بينهما، لأنَّ جَليلة بنت مُرَّة أخت جَسّاس كانت تحت كُلَيْب، فخرجت ناقة الجَرْمي ترعى في حِمى كُلَيب فأنكرها، فرماها بسهم فأصاب ضَرْعها، فولَّت حتَّى بَرَكَتْ بفِنَاء صاحبها، وضَرْعُها يَشْخَب لبَناً ودماً، فلما نظر إليها صاحبُها صاح واذُلَّاه، واذُلَّ جاراه، فخرجت جاريةُ البَسوس، فلما رأت النّاقة ضربت يدها على رأسها وصاحت: واذُلّاه، وقالت: [من الطَّويل]

لَعَمْريَ لو أصبحتُ في دار مُنْقِذٍ … لما ضِيمَ سَعدٌ وهو جارٌ لأبياتي

ولكنني أصبحتُ في دارِ غُرْبَةٍ … متى يَعْدُ فيها الذّئبُ يعدو على شاتي

فيا سَعْدُ لا تغرر بنفسك وارتَحِلْ … فإنَّك في قومٍ عن الجار أمواتِ

ودونَك أَذْوادي فإنيَ عنهمُ … لَراحِلةٌ لا يَغدِروا ببُنَيَّاتي (١)

فسمعها جَسّاس، فقال: اسكُني أيّتها المرأة، فليُقْتَلَنَّ جملٌ عظيم، هو أعظم من ناقة جارك، ولم يَزلْ جَسَّاس يتوقع غِرَّةَ كُليب حتَّى خرج كُليب لا يخاف شيئاً، فتباعد عن الحيّ، وتبعه جَسَّاس ومعه عمرو بنُ الحارث، فأدرك جَسَّاس كُليباً فطعنه بالرُّمح، فدَقَّ صُلْبَه فأنفذه، فقال كُليب: يا جَسّاسُ اسقني شربةَ ماء، فقال: أتركْتَ، الماءَ وراءك، ثم أدركه عمرو بن الحارث فأجهزَ عليه، ونَشِبت الحرب بينهم أربعين سنة حتَّى قُتلَ أكثر بكر، وكانت الغلبة لتغلب عليهم.

وقال هشام بن الكلبي: لم تجتمع مَعَدٌّ كلُّها إلَّا على ثلاثة رَهْطٍ من رؤساء العرب: عامر بن الظَّرِبِ، وربيعة بن الحارث، وكُلَيب بن وائل، وكان كُليب قد بلغ في مَعَدٍّ منزلة عالية، حتَّى ضُرب به المَثَلُ، فقالوا: أَعَزُّ من كُلَيب وائل (٢)، حتَّى كان يَحمي


(١) الفاخر ٩٣، وثمار القلوب ٤٧٥، والمستقصى ١/ ١٧٦، والميداني ١/ ٣٧٥.
(٢) الفاخر ٩٣، والدرة ١/ ٣٠٠، والعسكري ٢/ ٦٥، والميداني ٢/ ٤٢، والزمخشري ١/ ٢٤٦.