للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَواقعَ السَّحاب، فلا تُرعى، ويُجير على الدّهر فلا تُخْفَر ذِمَّتُه، ويقول: وَحْشُ الأرض في جِواري فلا يُهاج، ولا يُورِدُ أحدٌ مع إبله، ولا تُوقَدُ نارٌ مع ناره، ولا يتكلَّمُ أحدٌ في مجلسه ابتداءً، وهو كُلَيب بنُ ربيعة بن وائل، سيّد ربيعة في زمانه، وأطاعتْه العربُ وملَّكَتْه، وجعلوا له قسم الأموال، وكان كليب قد فَضَّ جُموعَ اليمن كلّها، فتوَّجَتْه العرب، وتزوَّج جَليلة بنت مُرَّة.

وكان بنو جُشَم وبنو شيبان ينزلون بتِهامة في دار واحدة، وكانت البَسوس في بني شيبان، ولها ناقة يُقال لها: سَراب، وبها ضربت العرب المَثَل، فقالوا: أَشْأمُ من سَراب (١)، فمرَّت إبلٌ من [إبل] كليب بسَراب، وهي مَعقولَة بفِناء بيت البَسوس جوار جَسّاس، فلما رأت الناقة الإبل نازعت عِقالها إليهم حتَّى قَطَعَتْه، وتَبعت الإبل، فاختَلطَتْ بها حتَّى انتَهت إلى الحَوض وكُلَيبٌ عليه، فرآها فأنكرها، فرماها بسهم، فخَرم ضَرعها، ففرَّت الناقة وهي ترغو، فلما رأتها البسوس ألقت خِمارها عن رأسها وصاحت: واذُلَّاه واجاراه، وسمعها جَسّاس، فركب فرسًا له عُريانة، وتبعه عمرو بن الحارث (٢) بن ذُهْل بن شيبان، وكان كُليب قد طغى وبغى، فدخلا على كُليبٍ الحِمى، فطعنه جَسّاس، فقَصم صُلْبَه، وتممه عمرو، فوقع كُليب يَفْحَصُ برجلَيْه، وقال لجَسّاس: أَغِثْني بشَرْبَةٍ من ماء، فقال: [هيهات، تجاوزت] شُبَيْثاً والأَحَصّ، يعني: موضع الماء، وفيه يقول عمرو بن الأَهْتَم: [من الطَّويل]

وإن كُليباً كان يَظلمُ قومَه … فأَدْرَكَه مثلُ الذي تَريانِ

فلمَّا حَشَاه الرُّمحَ كفُّ ابن عمِّه (٣) … تذكَّر ظُلمَ الأهل أيَّ أَوانِ

وقال لجَسَّاس أَغِثني بشَرْبَةٍ … وإلا فَخَبِّر مَن رأيتَ مكاني

فقال تَجاوزتَ الأحصَّ وماءَه … وبطنَ شُبَيْثٍ وهو غيرُ دِفانِ

أي: قليل.


(١) الدرة ١/ ٢٣٧، والعسكري ١/ ٥٥٦، والميداني ١/ ٣٩٠، والزمخشري ١/ ١٨٢.
(٢) في النسخ: وائل، والمثبت من النقائض ٩٠٥، والعقد ٥/ ٢١٤.
(٣) في النسخ: كف بزعمه، والمثبت من العقد ٥/ ٢١٥، وما بين معكوفين منه، وانظر معجم ما استعجم ٣/ ٧٨٠، ومعجم البلدان ٣/ ٣٢٣.