وكان غيوراً خرج يَمتارُ ومعه ابنتُه الجَرْباء وابنُه عَمَلَّس، فنزل ديراً بالشام يُقال له: دير سَعْد، فلما ارتحلوا قال عَقيل: [من الطويل]
قَضتْ وَطَرأ من دير سعدٍ ورُبَّما … على عُرُضٍ ناطَحْنَه بالجَماجمِ
ثم قال لابنه: أَجِزْ، فقال: [من الطويل]
فأَصْبَحْنَ بالمُوماة يَحْمِلْنَ فِتْيَةً … تَميلُ من الإدلاج مَيْلَ العمائمِ
ثم قال لابنته: يا جَرْباء أَجيزي فقالت: [من الطويل]
كأن الكَرى سَقَّاهُمُ صَرْخَدِيَّة … عُقاراً تَمَشَّت في المَطا والقَوائمِ
فقال: وما يُدريكِ ما نَعْتُ الخمر، وأخذ السَّوط، وأهوى إليها؟ فحال بينهما عَمَلّس، فأراد أن يضربه، فرماه عَمَلّس بسهم، فاختلّ فخذيه فبرك، ومَضَوا وتركوه، حتى إذا بلغوا أدنى ماءٍ لهم قالوا: إنا خلَّفنا جَزوراً، فأدرِكوه وخذوا معكم ماء، فأخذوا وقَصدوه، وإذا بعَقيل باركٌ وهو يقول: [من الرجز]
إن بَنيَّ ضَرَّجوني بالدَّمِ … شِنْشِنَةٌ أَعرِفُها من أَخْزَمِ
مَن يَلق أبطالَ الرجال يُكلَمِ
وقيل: كان في الجاهلية فحلٌ يقال له: أَخْزَم، أنجب أولاده جميعاً، وكان يُضرب به المثل.
وشاور عمر بن الخطاب ابنَ عباس ﵄ في أمر، فأشار عليه بما أعجبه، فقال عمر ﵁: شِنْشِنَةٌ أَعرِفُها من أَخْزَمِ. أشار إلى العباس ﵁، لأنه لم يكن في قريش شِبهُه في الرأي والحَزْم (١).
صارت الفِتيانُ حُمَماً، أوَّلُ مَن قاله الحَمراء، واسمُها: ضَمْرة بنت جابر، كان عمرو بنُ هند ملكُ الحيرة قد نَذَر دماء بني تميم، لأنهم قتلوا أخاه سعد بن هند وقال: والله لأحرقَنَّ منهم مئة من ساداتهم. وسار إليهم في جيوشه، فتفرَّقوا فأتى دارَهم، فلم يجد فيها إلا عجوزاً كبيرة، فنظر إلى حُمْرتها، فقال: إني لأَحْسَبُك أعجميَّة، فعرفَتْه،
(١) العققة والبررة لأبي عبيدة ٢/ ٣٥٧ (نوادر المخطوطات)، وطبقات فحول الشعراء ٧١٠ - ٧١٦، وأمثال أبي عبيد ١٤٤، والبكري ٢١٩، والعقد ٢/ ١٩١ - ١٩٢، والعسكري ١/ ٥٤١، والميداني ١/ ٣٦١، والزمخشري ٢/ ١٣٤.