للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُلئ ثلجًا، فأَخَذني واحدٌ منهم، فَهَرب أَتْرابي ووَقَفوا على شَفير الوَادِي، ثم أقبلُوا على القومِ وقالوا: يا قومُ، إنَّ هذا الغُلام ليس منَّا إنما هو مستَرْضَع فينا، وهو ابن سيد قريش وهو يتيم، فماذا يَرُدُّ عليكم قَتْلُه؟ فإن كنتم لا بدَّ قاتليه فاختاروا أيَّنا شِئتُم منَّا فاقتلوه عِوَضَهُ، فلم يردوا عليهم جوابًا، فانطلقوا هاربين يستصرخون الحي، فعَمد أحدُهم فأَضجَعَني إضجاعًا رفيقًا، ثم شقَّ ما بين مَفرِق صَدْري إلى منتهى عانتي، ولم أجد لذلك مسًّا، ثم أَخرج أحشاءَ بطني فغسَلَها بماء وثلج، فأنعم غسلها، ثم ردها إلى مكانها، ثم جاءآخر فأخرج من قلبي مُضْغَةً سوداء فرمى بها، وإذا بيده خاتم النبوة من نور فختم به قلبي، فامتلأ نورًا ثم ردَّه إلى مكانه، فوجدت بَرْدَ الخاتم في قلبي دهرًا، ثم أمَرَّ الثالث يده على صدري فالْتَأم ذلك الشَّق بإذن الله، ثم أخذ بيدي فأنهضني، ثم قال لصاحبه: زِنه، اجعله في كفة واجعل ألفًا من أمته في كفة، ففعل وأنا أنظر إلى الألف، فرجحت عليهم، فانطلقوا وهم يقولون: لو أن أمته وزنت به لمال بهم، ثم أقعدوني وقبَّلوا رأسي وقالوا: يا حبيب، لا تُرَعْ؛ إنك لا تدري ماذا يُراد منك -أو بك- لو علمت لقَرَّت عَيناك، قال: فبينا نحن كذلك، وإذا بالحي قد أقبلوا بحذافيرهم -أي بأسرهم- وإذا بأمي وهي تهتف في أوائلهم وتقول بأعلى صوتها: واضعيفاه. فقال أحدهم: حبذا أنت من ضعيف، فقالت: يا يتيماه. فقال الآخر: حبذا أنت من يتيم، فقالت: ياوحيداه (١). فقال الآخر: حبذا أنت من وحيد، ثم ضمتني إلى صدرها وجَعَلت تقول: استُضْعِفْتَ من بين أترابك وتبكي، فوالذي نفسي بيده إني لفي حِجرها وإن يدي في يد بعض القوم، وأنا ألتفت إليهم أظن أنَّ القوم يبصرونهم، فقال له بعض أهل الحي: هذا الغلام قد أصابه لَمَم، فانطلقوا به إلى الكاهن لينظر إليه، فذهبوا بي إلى الكاهن، فسألني عن قصتي؟ فأخبرته، وضمني إلى صدره وصاح بأعلى صوته: يا معاشر العرب، اقتلوه واقتلوني معه، فواللات والعزى ليِّن تركتموه ليبدِّلن دينكم، فقالت أمي: انظر لنفسك قاتلًا غيري، فإن ولدنا ما به مما قلت شيء، ولقد شبه عليك (٢).


(١) في النسخ: "يا واحداه" والمثبت من "المنتظم" و"تاريخ دمشق".
(٢) انظر "تاريخ دمشق" (قسم السيرة) ١/ ٣٨٠ - ٣٨٣، و"المنتظم" ٢/ ٢٦٥ - ٢٦٧. وضعفه ابن عساكر، وقال ابن كثير في "البداية" ٢/ ٢٥٦: وفيه عمر بن الصبح وهو متروك كذاب متهم بالوضع.