للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجعلوا الجميع في سرطان من زجاج ودفنوه في أساس المنارة، وهذا أصح.

وذكر جدي في "المنتظم": أنه كان على رأس المنارة مرآة إذا نظر الناظر فيها قبل طلوع الشمس رأى مَنْ يَكونُ بالقسطنطينية وبينهما عرض البحر (١).

قلت: وهذا إنما نقله من كتاب "المسالك والممالك" (٢) وليس كما ذكر صاحب المسالك، فإن مسافة ما بين القسطنطينية والإسكندرية نيفًا وأربعين يومًا إذا طابت الريح، على ما حكاه لي مشايخ الإسكندرية، وإن ما بين الإسكندرية وقبرس إذا طاب الهواء مسيرة ثلاثة أيام، فكأن الناظر قبل طلوع الشمس ينظر فيها إلى المراكب وقد أقلعت من قبرس فيخبر أهل البلد فيستعدُّون للحرب، فتحَيَّلَ ملوكُ الفرنج حتى قلعوا المرآة من المنارة.

واختلفوا في أي زمانٍ قُلِعَتْ المرآة على قولين: أحدهما في زمان الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكان الإسكندر صنع هذه المرآة حفظًا للبلد من العدوِّ، فكان في عزم ملوك الروم، قصد مصحر فلم يتأتَّ لهم ذلك، وكان لهم ملكٌ داهية فأظهر الغضب على خادم له وكان خصيصًا به وكان الخادم باقعة (٣) ذا مكرٍ وخديعة، فأعطاه أموالًا عظيمة وجواهر، وأسرَّ إليه ما يصنع، فخرج إلى بلاد الإسلام ودفن تلكَ الأموال والجواهر في أماكنَ متفرقة، وجاء إلى الوليد فأسلم على يده، وقال: أنا خادم الملك الفلاني، وقد رغبت في الإسلام، وقد وقع لي كتابٌ فيه أسماء المطالب التي بالشام ومصر فساعدني بالمال والرجالِ لترى ما أصنع، وكان الوليد شَرِهًا فأمدَّه بما طلب، فصار يحفر تلك الأماكن التي أودع فيها الأموال والجواهر ويحملها إلى الوليد، فسرَّ به واستولى عليه وملك قلبه وأخذ منه من الأموال أضعاف ما كان يحمل إليه، وكان يبعث بها إلى ملك الروم أولًا فأولًا سرًّا، فقال الخادم للوليد: إن تحت منارة الإسكندرية دفائنَ الإسكندر وذخائره وذخائر شداد بن عاد وملوك مصر لا يعلمها إلا الله، فابعثْ معي رجلًا لنهدمَ المنارة، وكان طولها ألف ذراع، والمرآة على رأسها،


(١) "المنتظم" ١/ ١٦٤.
(٢) "المسالك والممالك" ص ١١٥.
(٣) الباقعة: الرجل الداهية، والذكي العارف لا يفوته شيء ولا يدهى.