فلما قرأ الإسكندر ما على اللوح، قوي عزمه على بنائها، فجمع الحكماء والمهندسين وأربابَ الرصد، وهيَّأ الأخشاب والحجارة، وقال للمنجمين: خذوا طالع الوقت، وهيَّأ على الأخشاب أجراسًا عند الأساس، وقال للمنجمين: إذا أخذتم الطالع، فحرِّكوا الأجراس لتضعوا الأساس، وذلك برأي مني، واتفق أن الإسكندر نام في تلك الساعة والمنجمون يرصدون، فغفلوا فجاء غراب فقعد على الجرس الأكبر وحركه، فتحركت الأجراس دفعة واحدة، فوضع الصناع الأساس، وصاحوا صيحةً انتبه لها الإسكندر، فلما رأى الغراب قاعدًا على الجرس فهم القصةَ، فقال: أردنا أمرًا وأراد الله غيره، وأمر بإتمام البناء، فلما تمَّ السور خرجت في الليل من البحر دوابٌّ على صورة الشياطين فأخربته فأعاد البناء مرارًا وهي تهدم السور، فجمع الحكماء والمهندسين حتى تُحَقِّقَ صورهم وإذا بهم شياطين، فعملوا طِلَّسماتٍ من نحاس على صورهم، وجعلوها على أعمدة من نحاس، فلما خرجت الجن ورأت صورها على الأعمدة ولَّت منهزمة ولم تعد. وبنى عليها سبعةَ أسوارٍ بين كلِّ سورين خندقٌ، فتم بناؤها في مئة سنة.
والثالث: أنَّ الذي بناها الملكة دلوكة لتجعلها مرقبًا من ناحية الروم، لأنَّ الروم إنما ملكت مصرَ منها. قاله النُّوبَختي.
والرابع: أن الذي بنى الأهرام بناها، وإنما أُضيفتْ إلى الإسكندر لأنه سكنها. قال النُّوبَختي: مكث أهلها سبعين سنةً لا يمشون بالنهار إلا وعلى وجوههم خرقٌ سودٌ على عيونهم لشدة بياض حيطانها وصقالها.
ذكر منارتها: ذكر صاحب "المسالك والممالك": أن المنارة على سرطان من زجاج في البحر صنعه الإسكندر (١). قلت: وليس كما ذكر، وإنما هي على جبل في البحر قد أكل الماءُ معظمَهُ وقد شاهدته في سنة أربعين وست مئة وصعدتُ على رأسها، والمنارة على خطر.
وقيل: إن الإسكندر لما مات كسروا آنيةَ طعامِهِ وشرابه وجمعوا جواهره وذخائره