للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ﷺ: "إن ربكم تقدم في تحريم الخمر"، فتركها قوم لقوله ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ وقالوا: لا حاجة لنا إلى الإثم، وشربها آخرون وتأولوا قوله: ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ وأقاموا على ذلك مُدَّة (١).

واختلفوا في سبب تحريمها على أقوال:

أحدها: قصة حمزة رضوان الله عليه، قال علي ﵇: كانت لي شارف من الغُنْم من نصيبي يوم بدر، وكان رسول الله ﷺ قد عارني (٢) شارفًا من الخُمْس، فلما أردت أن أبني بفاطمة، واعَدْتُ رجلًا صوَّاغًا من بني قينُقاع يرتحل معي، فنأتي بإذخِر فنَبيعه من الصواغين أستعين به في وليمة عرسي، فبينا أنا أجمع لشارفي متاعًا من الحبال، وشارفاي مُناخان إلى جانب حُجْرة رجل من الأنصار، أقبلت حين جمعت ما جمعت، فإذا شارفاي قد جُبَّت أسنمتهما وبُقِرت خواصرهما، وأُخذ من أكبادهن، فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر، فقلت: من فعل هذا؟ فقالوا: عمك حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شَرْب من الأنصار، غَنته قَينة:

ألا يا حَمْزُ للشُّرُفِ النِّواءِ

فوثب حمزة إلى السيف ففعل بهما ما فعل، أوْ ما رأيت، قال علي ﵁: فانطلقت إلى رسول الله ﷺ وعنده زيد بن حارثة فقلت: ألا ترى يا رسول الله ما فعل عمك حمزةُ بشارفيَّ، وأخبرته الخبر، فقام ولبس رداءه، ثم انطلق يمشي، واتّبعته أنا وزيد حتى جاء إلى البيت الذي فيه حمزةُ، فاستأذن فإذا هُم شَرْبٌ، فطفِقَ يلومُ حمزةَ على فعله، وإذا حمزةُ ثَمِلٌ محمرَّة عيناه فنظر إلى رسول الله ﷺ، فصعَّد النظر إلى رُكبتيه ثم إلى سُرَّته ثم إلى وجهه أو في وجهه، وقال: وهل أنتم إلا عَبيدٌ لأَبي، فعرف رسول الله ﷺ أنه ثمل، فنكص على عقبيه القهقرى، وخرج وخرجنا معه وذلك قبل تحريم الخمر. أخرجاه في "الصحيحين" (٣).

قال ابن عباس: فكانت هذه القصَّةُ سببًا لتحريم الخمر. قال: وأصبح حمزةُ فغدا


(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٣٦ من حديث الربيع. وانظر تفسير الثعلبي ٢/ ١٤٣.
(٢) هكذا جاء في النسخ، وفي "الصحيحين": "أعطاني".
(٣) أخرجه البخاري (٤٠٠٣)، ومسلم (١٩٧٩).