للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشربوا الخمر، وتناشدوا الأشعار، فأنشد سعد قصيدة فيها هجو الأنصار، وفخر بقومه، فضربه رجل من الأنصار بلَحْيِ جمل فشجه، فانطلق إلى رسول الله فشكا إليه، فقال عمر : اللهمَّ بين لنا رأيك في الخمر بيانًا شافيًا. فأنزل الله تحريم الخمر في المائدة إلى قوله: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩٥] فقال عمر : انتهينا يا رب (١).

وقال أبو سعيد الخدري: قال رسول الله : "أَيُّها النَّاسُ، إنَّ الله يُعرِّضُ بالخَمرِ، ولعَلَّه يُنْزلُ فيها أَمرًا، فَمَن كان عِندَه شَيءٌ [فليبِعْهُ ولينتفع به"، قال: فما لبثنا إلا يسيرًا حتى قال : "إن الله حرَّم الخمرَ، فمن أدركتهُ هذه الآيةُ وعنده منها شيءٌ]،. فلا يَبِعْهُ ولا يَشْرَبهُ". قال: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها طُرقَ المدينة فسفكوها. انفرد بإخراجه مسلم (٢).

وفي المتفق عليه: عن أنس قال: نادى منادي رسول الله : ألا إن الخَمر قد حُرِّمت. قال: فجرت في سِكَك المدينة، فقال بعضهم: قد قتل قوم وهي في بطونهم. فأنزل الله تعالى: ﴿لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ [المائدة: ٩٣] الآية (٣).

وأخرج مسلم عن ابن عباس: أن رجلًا أهدى لرسول الله راوية خمر، فقال له رسول الله : "هَلْ عَلِمتَ أنَّ الله حَرَّمها"؟ قال: لا. فسارَّ الرجل إنسانًا، فقال له رسول الله : "بمَ سارَرْتَه"؟ فقال: أمرته ببيعها، قال: "إنَّ الذِي حرَّمَ شُربَها حرَّم ثَمَنها". ففتح الرجل المزادةَ حتى ذهب ما فيها (٤).

وقال أنس: لقد حُرِّمتِ الخَمرْةُ، ولم يكن للعرب شراب أعجب إليهم منها، وما حرم عليهم شيءٌ أشدُّ منها. قال: فأخرجنا الحِباب إلى الطريق، فصببنا ما فيها، فمنا من كسر حُبَّه، ومنا من غسله بالماء والطين. ولقد غودرت أزقة المدينة بعد ذلك حينًا كلما أمطرت، استبان فيها لون الخمر وفاحت منها ريحها (٥).


(١) تفسير الثعلبي ٢/ ١٤٢ - ١٤٣ (وعنه نقل ما تقدم)، وذكره الزيلعي في "تخريج الأحاديث والآثار" ١/ ١٣١ وقال: غريب بهذا اللفظ، وذكره الثعلبي هكذا من غير إسناد.
(٢) مسلم (١٥٧٨) وما بين حاصرتين منه.
(٣) البخاري (٢٤٦٤)، ومسلم (١٩٨٠).
(٤) أخرجه مسلم (١٥٧٩).
(٥) تفسير الثعلبي ٢/ ١٤٣.