للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن عثمان بن أبي عمار: أن حمزة سأل رسول الله أن يريه جبريل، فقال: "إنَّك لَن تَستَطِيعَ". قال: بلى. فأراه إياه في الكعبة، ورجلاه مثل الزبرجد الأخضر، فخر حمزة مغشيًّا عليه (١).

ولما قتل حمزة ، ومثَّلت به هند، مر به أبو سفيان بن حرب فجعل يضرب في شدقه بالرمح [ويقول]: ذُقْ عُقَقُ، فرآه الحُلَيسُ بن زَبّان سيدُ الأحابيش، فصاح: يا بني كنانة، هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون، قد صار لحمًا، فقال له أبو سفيان: اكتمها علي فإنها كانت زَلَّةً (٢).

واشترك معاوية بن المغيرة بن أبي وقاص (٣) بن أمية، وهند بنت عتبة في المُثْلةِ بحمزة رضوان الله عليه، وكان حمزة صائمًا في يوم أحد، فقتل على حاله وأَذِنَ رسولُ الله لصفيةَ رضوان الله عليها أن تشاهد أخاها حمزة فشاهدته، وقالت: قد مثلوا بأخي وذلك قليل في ذات الله، والله لأصبرَنَّ ولأحتسبَنَّ. ثم صلَّت عليه واستغفرت له.

وقال أبو هريرة: وقف رسول الله على حمزة فنظر إلى شيء لم يَرَ مثلَه قط، ولا كان أوجع لقلبه منه وقد مثَّلوا به، فقال: "يَرحَمُكَ اللهُ، فَلَقد كُنتَ فِيما عَلِمتُ وَصولًا للرَّحمِ، فعَّالًا للخيراتِ، ولولا حُزنُ مَنْ بَعْدَك عَليك أو تكونَ سُنَّةً من بعدِك لسرَّني أَن أدَعَك حتى تُحشَرَ مِن بُطون السِّباعِ وحَواصِل الطَّير، أَمَا والله لأُمثِّلن بسَبعِينَ منهم مَكَانَكَ". فنزل جبريل بخواتيم سورة النحل ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل: ١٢٦] إلى آخرها، فصبر رسول الله ، وأمسك عما أراد. وفي رواية: فكفَّر عن يمينه، ونهى عن المُثْلة (٤).

وصلى رسول الله على حمزة، وكبر سبعين تكبيرة (٥).

ولما حُفر لحمزة نزل في قبره أبو بكر وعمر وعلي والزبير ، وجلس رسول الله


(١) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" ٣/ ١١.
(٢) "السيرة" ٣/ ٣٧.
(٣) هكذا هو في النسخ، والصواب: بن أبي العاصي. انظر "جمهرة أنساب العرب" ص ١١٠.
(٤) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" ٣/ ١٢، والطبراني في "الكبير" (٢٩٣٧)، والحاكم ٣/ ٢١٨.
(٥) "الطبقات الكبرى" ٣/ ١٤.