للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومرَّ به أبوه فرآه قتيلًا، فوقف عليه وقال: يا بُنيَّ قد كنتُ أحذِّرُك مثلَ هذا المصرعِ ولقد كنتَ بارًّا بأبيك، شريفَ الخُلقِ في حياتك، وإن مماتك لمع سَراة أصحابك وأشرافهم؛ لأنه كان مقتولًا إلى جانب حمزةَ وعبد الله بن جحش، وصاح أبو عامر: يا معاشر قريش، لا تمثِّلوا بابني (١)، وفي ذلك يقول أبو سفيان بن حرب (٢): [من الطويل]

ولو شئت نجَّتني كُمَيتٌ طِمرَّةٌ … ولم أَحملِ النعماءَ لابن شَعُوبِ (٣)

أُقاتِلُهم وأَدَّعي يال غالبٍ … وأَدفَعُهم عنِّي بركنِ صليبِ (٤)

فبكِّي ولا تَرْعَي مقالةَ عاذلٍ … ولا تَسأمي من عَبْرةٍ ونَحيبِ

وسَلَّى الذي قد كانَ في النَّفسِ أنَّني … قَتلتُ مِن النجَّارِ كلَّ نَجيبِ

فأجابه حسان بن ثابت (٥): [من الطويل]

ألَم يقتلوا عَمرًا وعُتبةَ وابنَهُ … وشَيبةَ والحَجَّاجَ وابنَ حَبيبِ

ذكرتَ القُروم الصِّيدَ من آل هاشمٍ … ولستَ لقولٍ قُلْتَه بمُصيبِ

ولمّا قُتل حنظلة يوم أُحد، قال رسول الله : "ما شَأنُ حَنظَلةَ؟ فإنِّي رَأَيتُ المَلائِكَةَ تُغَسِّله بينَ السَّماءِ والأَرضِ بماءِ المُزْنِ في صُحفِ الفِضَّة". قال أبو أُسَيد الساعدي: فذهبنا ننظرُ إليه فإذا رأسُه يقطر ماءً، فرجعتُ إلى رسول الله فأخبرته، فأرسل إلى امرأته فسألها فقالت: إنه جامع، فلمَّا سمع الهَيعَةَ أعجله الأمر عن الغسل، فقال رسول الله : "فَلذلِكَ غَسَّلتهُ المَلائِكةُ" (٦).

قال ابن سعد: فولده يقال لهم: بنو الغَسيل.

خارجة بن زيد بن أبي زهير، أبو زيد الخزرجي الذي نزل عليه أبو بكر الصديق


(١) "المغازي" ١/ ٢٧٣ - ٢٧٤، و"الطبقات الكبرى" ٤/ ٢٩١ - ٢٩٢.
(٢) الأبيات في "السيرة" ٣/ ٢٥.
(٣) الطمرة: الفرس السريعة الوثب.
(٤) الصليب: الشديد.
(٥) البيتان في "السيرة" ٣/ ٢٦.
(٦) الخبر في "السيرة" ٣/ ٢٥، و"المغازي" ١/ ٢٧٤، و"الطبقات الكبرى" ٤/ ٢٩٢. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (٧٠٢٥) من حديث عبد الله بن الزبير.