وكان لسويد ابنٌ يقال له: الحارث، فلمّا انقضت وقعة بُعاث وقدم رسول الله ﷺ المدينة أسلم الحارث والمجذَّر، وشهد المجذَّر بدرًا، والحارث يطلب غِرَّته ليقتله بأبيه، فلم يَقْدِر على قتله، فلما كان يوم أحد رجال المسلمون تلك الجولة، أتاه الحارث من خلفه وهو لا يعلم فقتله، ولما رجع رسول الله ﷺ من حمراءِ الأَسَد، أخبره جبريل ﵇، وقال: إنما قتله غِيلَةً، فاقتُلْه به. فركب رسول الله ﷺ إلى قُباء، وكان يومًا حارًا، وكان لا يأتي قباء إلا يوم السبت والاثنين، فجعلوا ينكرون مجيئه في غير هذين اليومين، واجتمع الناس وطلع الحارث بن سويد في مِلْحفةٍ مُوَرَّسةٍ، فقال رسول الله ﷺ لعُوَيمر بن ساعدة:"قدِّمه إلى باب المسجد فاضرب عُنقه، فقد أخبرني جبريل أنه قتل المجذَّر غِيلةً" فقدمه عويمر دقتله (١).
مصعب بن عُمَير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله القرشي، ويسمى مصعبَ الخير، وفتى مكة شبابًا وجمالًا، وأمه: خُناس بنت مالك بن لؤي.
وهو من الطبقة الأولى من المهاجرين، أسلم قديمًا في دار الأرقم بن أبي الأرقم وكتم إسلامه، وكان يختلف إلى رسول الله ﷺ سرًّا من أبيه وقومه، وكان أبواه يحبانه، فرآه عثمان بن طلحة يصلي، فأخبر أباه فحبسه، فلم يزل محبوسًا حتى خرج إلى الحبشة، وكان من أنعم الناس عيشًا، وأعطرِهم بمكَّةَ قبل أن يسلم، فلما أسلم زهد في الدنيا فتخشَّفَ جلده.
وبعثه رسول الله ﷺ إلى المدينة بعد البيعة الأولى فكان يُقْرِئُهم القرآن، ويفقههم في الدين، حتى أسلم على يده خلق كثير، ثم قدم مكة مع السبعين فأقام بها قليلًا، ثم قدم المدينة قبل رسول الله ﷺ مهاجرًا، وهو أول من قدمها، وأول من جمّع الجمعة بالمدينة بالمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله ﷺ، وقيل: أول من جمع أَسعد بن زرارة.
وقال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه: نظر النبي ﷺ إلى مُصعب بن عُمير مقبلًا وعليه إهابُ كبشٍ قد تنطَّق به، فقال رسول الله ﷺ: "انظُروا إلى هَذا الرَّجلِ الذي قد
(١) أخرجه الواقدي في "المغازي" ١/ ٣٠٥، ومن طريقه البيهقي في "السنن" ٨/ ٥٧. وانظر "المنتظم " ٣/ ١٧٧ - ١٧٨.