للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَوَّر اللهُ قَلبَهُ، لَقد رَأَيتُه بينَ أَبَوين يَغذُوانِهِ بأَطيبِ الطَّعامِ والشَّرابِ، فَدَعاه حُبُّ اللهِ ورَسولِه إلى مَا تَرونَ". فنكس أصحاب رسول الله رؤوسهم رحمةً له، وليس عندهم ما يُغيِّرونَ به عليه (١).

وقال محمد بن شرحبيل: حمل مصعبُ بن عمير اللواءَ يومَ أُحُدٍ، فلما جال المسلمون، ثبت مصعب، فأقبل ابن قَميئة فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤] وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنى عليه فضربها فقطعها، فحنى على اللواء وضمه بِعَضُدَيه إلى صدره وهو يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه (٢).

وكان مصعب رقيقَ البَشَرةِ، ليس بالطويل ولا بالقصير، وقُتِلَ وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئًا.

وقال عبد الله بن الفضل: قُتل مصعب فأخذ اللواء مَلَكٌ في صورة مصعب، [فجعل رسول الله يقول له في آخر النهار: تقدم يا مصعب] فالتفت إليه الملك وقال: لستُ بمصعب، فعرف رسول الله أنه ملك أُيِّد به (٣).

ولما فرغ رسول الله من أحد، مرَّ على مصعب فرآه مقتولًا على طريقه، فقرأ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ﴾ (٤) [الأحزاب: ٢٣] الآية.

وقال خبَّاب: هاجرنا مع رسول الله نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئًا، منهم: مصعب بن عُمير، قتل يوم أحد فلم نجد شيئًا نُكَفِّنُه فيه إلا نَمِرَةً كُنّا إذا غطينا بها رأسَه بدت رجلاه، وإذا غَطَّينا رجليه بدا رأسه، فأمر رسول الله أن نغطي بها رأسَه، ونجعل الإذْخِرَ على رجليه، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يَهْدِبُها. أخرجاه في "الصحيحين" (٥).


(١) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" ١/ ١٠٨، والبيهقي في "الشعب" (٦١٨٩).
(٢) "الطبقات الكبرى" ٣/ ١١٢.
(٣) "الطبقات الكبرى" ٣/ ١١٢، وما بين معقوفين زيادة منه.
(٤) "الطبقات" ٣/ ١١٢ - ١١٣.
(٥) أخرجه البخاري (٤٠٤٧)، ومسلم (٩٤٠). ويهدبها: يجتنيها.