للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأَسِنَّة -وكان سيد بني عامر بن صعصعة- على رسول الله المدينةَ في صفَرٍ على رأس أربعة أشهر من أُحد، وأهدى لرسول الله هدية، فأبى أن يقبلها وقال له: "يا أَبا بَرَاء، لا أقبلُ هديَّةَ مُشرِكٍ، فإن أردْتَ أن أقبَلَ هديَّتَكَ فأَسْلِم". ثم عرض عليه الإسلام وأخبره بما لَه فيه، وما وعد الله المؤمنين من الثواب، وقرأ عليه القرآن، فلم يسلم ولم يُبعده عن الإسلام، وقال: يا محمد، إن الله أمرك بهذا الذي تدعو إليه، والله إنه لحسن جميل، فلو بعثت رجالًا من أصحابك إلى أهل نجد، وإلى قومي تدعوهم إلى أمرك، رجوت أن يستجيبوا لك، فقال رسول الله : "أَخشَى عليهم أَهلَ نَجدٍ". فقال أبو براء: أنا لهم جار إن تعرَّض لهم أحد.

فبعث لهم رسول الله المنذر بن عمرو بن لَوْذان أخا بني ساعدة في سبعين رجلًا من خيار المسلمين من القُرّاء، فساروا حتى نزلوا بئر مَعُونة -وهي أرض بني عامر وحرَّة بني سُلَيم- فقال بعضهم لبعض: أيكم يُبَلِّغُ رسالة رسول الله أهلَ هذا الماء؟ فقال حَرامُ بنُ مِلْحان: أنا، فخرج بكتاب رسول الله وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل، فلما أتاه بالكتاب لم ينظر فيه عامر، فقال حَرَام: يا أهل بئر معونة، إني رسولُ رسولِ الله إليكم فآمنوا بالله ورسوله، فخرج رجل من كَسْرِ البيت برمحٍ فضرب به جنبه، فخرج من الجانب الآخر، فقال: الله أكبر فزت وربِّ الكعبة. ثم استصرخ عامر بن الطفيل بني عامر على المسلمين، فأبَوْا أن يُنْجِدوه، وقالوا: أبو براء قد عقد لهم عقدًا وجوارًا فلا نَخفِرُ ذمَّتَه، فاستصرخ عليهم قبائل بني سليم عُصَيَّةَ، ورِعْلًا، وذَكْوانَ، فأجابوه وأحاطوا بالقوم، فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد، فإنهم تركوه وبه رمق فعاش حتى قتل يوم الخندق.

وكان في سَرْحِ المسلمين عمرو بن أمية الضَّمري ورجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف، فَلم يُنَبِّههما على مصاب أصحابهما إلا الطير يحوم على العسكر، فقالا: والله إن لهذا الطير لشأنًا، فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم، والخيل التي أصابتهم واقفة، فقال الأنصاري لعمرو بن أمية: ماذا ترى؟ قال: نلحق برسول الله فنخبره الخبر. فقال الأنصاري: ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو. ثم قاتل القوم حتى قتل، وأُخِذَ عمرو بن أمية أسيرًا، فلما أخبرهم أنه من مضر، أطلقه عامر بن الطفيل، وجزَّ ناصيته وأعتقه عن رقبة، وزعم أنها كانت عن أمه، فقدم عمرو