للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذه الغزاة صلى رسول الله صلاة الخوف، وفي هذه الغزاة نزل قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ [المائدة: ١١] الآية.

قال جابر بن عبد الله : غزونا مع رسول الله قِبَلَ نجد، فلما قَفل ومعه الناس أدركتهم القَيلُولة في وادٍ كثير العِضَاهِ، فنزل رسول الله تحت شجرة وعلَّقَ سيفَه بغُصْنٍ من أغصانها، وتفرق الناس يَستظلون بالشجر، قال: فنمنا نومةً، وإذا رسول الله يدعونا، فجئناه وعنده أعرابي، فقال: "إنَّ هذا أَتَاني وأَنَا نَائمٌ فاخْتَرَطَ سَيفِي، وهو قَائمٌ على رَأسي والسَّيفُ بيدِهِ صَلتًا، قال: مَن يَمنَعُكَ منَّي؟ قلت: الله، فَشَامَ السَّيفَ". أي: أعاده إلى جفنه، قال جابر: فلم يَعرِض له رسول الله ولم يعاقبه (١).

وفيه: فأخذ رسول الله السيف من يد الرجل، وقال: "مَن يَمنَعُك منَّي"؟ فقال الرجل: كُن خَيْرَ آخذٍ، فقال: "أَتَشهَدُ أَنْ لا إِلهَ إلا اللهُ، وأَنَّي رسولُ اللهِ". قال: لا، ولكن أُعاهِدُك على أن لا أُقاتِلَك، ولا أكونَ مع من يقاتلُك فخلّى سبيله، فأتى أصحابه وقال: جئتكم من عند خير الناس (٢).

وفيها: كانت غزاةُ دُومَةِ الجَنْدَل (٣)، وهي أرض فيها زرع ونخل وعيون، ولها مدينة وحصنٌ منيعٌ يدعى ماردًا، ويقال في المثل: تمرَّد ماردٌ وعزَّ الأَبلق (٤).

وهي أول غزاة غزاها رسول الله إلى الشام، خرج إليها على رأس تسعة وأربعين شهرًا من مُهاجَرِه، واستخلف على المدينة سِباعَ بنَ عُرْفُطةَ الغِفاري، وكان قد بلغه أن بها جمعًا من الأعراب، فكان يَكمُن نهارًا ويسير ليلاً، ومعه دليل من بني [عُذرة يقال له:] (٥) مذكور، فهجم عليهم فهربوا، فأخذ رِجالًا، منهم فأسلم بعضهم، ورجع إلى


(١) أخرجه البخاري (٢٩١٣)، ومسلم (٨٤٣).
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٤٩٢٩) وفيه صلاة الخوف، وقد جمع المصنف هنا بين حديثين.
(٣) انظر "السيرة" ٢/ ٢١٣، و"المغازي" ١/ ٤٠٢، "الطبقات الكبرى" ٢/ ٥٨، و"أنساب الأشراف" ١/ ٤٠٦، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٥٦٤، و"دلائل النبوة" للبيهقي ٣/ ٣٨٩، و"المنتظم" ٣/ ٢١٥، و"البداية والنهاية" ٤/ ٩٣.
(٤) والأبلق حصن للسموءل بن عادياء قصدته الزباء هو وماردًا فلم تقدر عليهما فقالت: تمرد مارد وعز الأبلق، فذهب مثلًا. "مجمع الأمثال" ١/ ١٢٦.
(٥) ما بين معقوفين زيادة من "الطبقات" ٢/ ٥٩.