عمر، فزحمه رجل من الأنصار يقال له: سِنان الجُهَني حليف الخزرج، فاقتتلا على الماء، فصرخ الجهني: يا معاشر الأنصار، وصرخ جهجاه: يا معاشر المهاجرين، فأعانه رجل من المهاجرين يقال له: جُعال وكان فقيرًا، فقال له عبد الله بن أُبي بن سَلول: وإنك لهناك؟! فقال: وما يمنعني أن أفعل ذلك؟! واشتد لسان جُعال على ابن أُبي، فغضب ابن أبي وقال: والذي يُحلَف به لأُرِيَنَّك غير هذا، وعند عبد الله رهط من قومه منهم: زيد بن أرقم وكان غلامًا حَدَثًا، وقال ابن أبي: أَوَقد فعلوها، قد نافرونا في بلادنا وكاثرونا، والله ما مَثَلُنا ومَثَلُهم إلا كما قال القائل: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، أما والله، أما والله، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وعنى بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله ﷺ زاده فضلًا وَشرفًا وعزة وتعظيمًا.
ثم أقبل على قومه وقال: ما فعلتم بأنفسكم؟ أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عن جُعالٍ وذويه فضلَ طعامكم يركبوا رقابكم، ولأَوشكوا أن يتحولوا عن بلادكم ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم، فلا تنفقوها عليهم حتى ينفضوا مِنْ حَوْلِ محمَّد. فقال له زيد بن أرقم: أنت والله الذليلُ الحقيرُ القليل المُبْغَضُ إلى قومك، ورسول الله ﷺ في عِزًّ من الرحمن ومودةٍ من المؤمنين، والله لا أحبك أبدًا، فقال له عبد الله: اسكت، فإنما كُنْتُ أَلْعَبُ.
وجاء زيد إلى رسول الله ﷺ فأخبره، وذلك بعد فراغه من الغزو وعنده عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عُنُقَ هذا المنافق، فقال:"إذًا تَرعُفُ له آنُفٌ كَثيرةٌ بيثرب"، فقال له عمر: فإن كرهتَ يا رسول الله أن يقتله رجل من المهاجرين، فمر سعد بن معاذ أو محمَّد بن مَسْلَمةَ فليقتلوه. فقال رسول الله ﷺ:"أَتُريدُ يا عمرُ، أَن يَتَحدَّثَ النَّاسُ أنَّ محمدًا يَقتُلُ أَصحابَهُ، ولَكِنْ أذَّنْ بالرَّحيلِ" وذلك في ساعة لم يكن رسول الله ﷺ يرتحل فيها، فارتحل الناس وأرسل رسول الله ﷺ إلى عبد الله بن أبي فأتاه، فقال له:"أَنتَ صاحِبُ الكلامِ الذي بلغَني عَنكَ"؟ فقال عبد الله: والذي أنزل عليك الكتابَ ما قلتُ شيئًا من ذلك، ولقد كذب زيدٌ.
وكان عبد الله شريفًا في قومه عظيمًا، فقال مَن حضر من الأنصار: يا رسول الله، شيخُنا وكبيرُنا، تُصَدَّقُ كلامَ غُلامٍ من غِلْمان الأنصار؟! عسى أن يكون هذا الغلامُ