للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهِمَ في الحديث، فعذره رسول الله ، وفشت الملامة في الأنصار لزيد وكذَّبوه، وقال له عمر - وكان زيد معه -: ما أردتَ إلا أن كَذَّبك رسولُ الله والناسُ، ومَقَتوك.

وكان زيدٌ يسايرُ رسول الله فاستحيى بعد ذلك أن يدنوَ منه، فلما استقل سائرًا لقيه أُسَيْدُ بن حُضَيْرٍ فسلَّم عليه، وقال: يا رسول الله، لقد رُحتَ في ساعة مُنكَرة ما كنتَ تروح فيها، فقال له رسول الله : "أَوَ ما بَلغَكَ ما قالَ صاحبُكُم ابنُ أُبَيٍّ؟ ". قال: وما قال؟ قال: "زَعَم أَنَّه إذا رَجَع إلى المَدينَةِ يُخرِجُ الأَعَزُّ منها الأَذَلَّ". فقال أسيد: أنت والله تخرجه إن شِئتَ، هو والله الذليلُ وأنت الأعزُّ، ثم قال: يا رسول الله، اِرْفِقْ بهِ، فوالله لقد جاء اللهُ بِك، وإن قومه ليَنْظِمون له الخَرز لِيُتَوِّجوه، فهو يرى أنك سلبته ملكًا (١).

وبلغ عبدَ الله بنَ عبدِ الله بن أُبيّ ما كان من أمر أبيه، فقال: يا رسول الله، بلغني أنك تريد قتلَ عبدِ الله بن أُبَيّ لِما بلغك عنه، فإن كنت فاعلًا فمرني لأحملَ إليك رأسه، فواللهِ لقد عَلِمَتِ الخزرجُ ما كان بها رجلٌ أَبرُّ بوالديه مني، وإني أخشى أن تأمر غيري فيقتلَه، فلا تطيبُ نفسي أن انظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمنًا بكافر فأدخل النار، وكان عبد الله بن عبد الله رجلًا مؤمنًا صَالحًا، فقال له رسول الله : "تَرَفَّقْ به، وأَحْسِنْ صُحبتَهُ ونحن كذلك ما بقي معنا" (٢).

وسار بهم رسولُ الله يومَهم ذلك حتى آذتهم الشمسُ، فنزل، فما هو إلا أن وجدوا مسَّ الأرضِ وقعوا نِيامًا، وإنما فعل رسولُ الله ذلك ليشغَلَ الناسَ عن الحديث الذي جرى من ابن أبي.

ثم راح بالناس حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النَّقيع يقال لها: بَقعاء، فهاجت ريح شديدة فآذتهم وتخوَّفوا منها، وضلَّت ناقة رسول الله ليلاً، فقال رسول الله : "لا تَخافُوا الرِّيحَ، فإنَّما هَاجَت لِمَوتِ عَظيمٍ من الكفَّار بالمدينة"، فقيل: من هو؟ قال: "رِفاعة بن التابوت"، فقال رجل من المنافقين: يزعمُ أنه يعلم الغيب ولا يعلمُ مكانَ ناقته، فأتاه جبريل فأخبره بقول المنافق وبمكان ناقته، فأخبر رسول الله


(١) "السيرة" ٢/ ٢٩٠ - ٢٩٢.
(٢) "السيرة" ٢/ ٢٩٣.