للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحابَه، وقال: "ما أَعلَمُ الغَيبَ ولكِنَّ الله أخْبَرني أنَّ النَّاقَةَ في شِعْبِ كَذا وكَذا، قد تَعلَّقَ زِمامُها بشَجَرةٍ". فذهبوا إلى الشعب فوجدوها كذلك.

ولما قَدِموا المدينة وجدوا رِفاعةَ بنَ التابوت - وكان من عظماء اليهود وكَهْفَ المنافقين - قد مات في ذلك اليوم (١).

ولما قَرُبَ رسول الله من المدينة وجاء عبد الله بن أبي ليدخُلَها جاء ابنه عبد الله فأَناخَ على مجامع طريق المدينة وصاح بأبيه: وراءك، فقال: مالك ويلك؟ فقال: لا والله لا تدخُلُها أبدًا إلا بإذن رسول الله ، ولَيُعْلَمَنَّ اليومَ منِ الأعزُّ مِنَ الأذلِّ. فجاء عبد الله إلى رسول الله فشكا إليه ما صنع به ابنُه، فأرسل رسولُ الله إلى ابنه يقول: "خَلِّ عنه". فقال: أَمّا إذا جاء أمر رسول الله فَنَعَم، فدخل (٢).

فقال زيد بن أرقم: فجلستُ في بيتي والله أعلم ما بي من الهمِّ والحُزن والحَياء من رسول الله والمسلمين، فأنزل الله تعالى في تصديق زيد وتكذيب ابن أبي سورة المنافقين، فأخذ رسول الله بأذن زيد وقال: "يَا زَيدُ، إنَّ اللهَ قد صَدقكَ وأَوْفى بأُذُنِكَ" (٣).

ولما نزلت هذه الآياتُ، قيل لعبد الله: يا أبا حُباب، قد أنزل الله فيك آياتٍ شِدادًا، فاذهب إلى رسول الله يستغفرْ لك، فلوى رأسه ثم قال: أمرتموني أن أُؤمن فآمنت، وأمرتموني أن أُعطيَ زكاةَ مالي فأعطيتُ، وما بقي إلا أن أسجدَ لمحمد. وأنزل الله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ (٤) [المنافقون: ٥].

وجعل قومُ عبد الله يلومونه ويوبَّخونه، فقال رسول الله لعمر رضوان الله عليه: "وكيف ترى؟ أما والله لو قتلته يوم أشرتَ بقتله لَرعُفَت له أُنوفٌ لو أمرتُها اليوم بقتله لقتلته". فقال عمر: إن رأي رسول الله أَعظَمُ بركةً من رأيي.


(١) "السيرة" ٢/ ٢٩٢.
(٢) انظر "الطبقات الكبرى" ٢/ ٦١.
(٣) لم نقف عليه بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري (٤٩٠٠) بلفظ: "إن الله قد صدقك يا زيد".
(٤) انظر "أسباب النزول" للواحدي ص ٤٦١.