للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والغابةِ (١) في عشرة آلاف، وجاءت غَطفان وأهل نجد فنزلوا بِذَنَبِ نَقَمَى إلى طرف أُحد، وأحدق باقي القبائل بالمدينة، وأبطأ على رسول الله جماعة من المسلمين، وجعلوا يتسللون إلى أهاليهم.

وكان جُعيلٌ عمل مع جماعة فسماه رسول الله عمرًا (٢).

وكان سلمانُ رجلًا قويًا، فاختصم فيه المهاجرون والأنصار، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأنصار: سلمان منا، فقال رسول الله : "سلمانُ مِنّا أهلَ البيت" (٣).

قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان، وحُذَيفة بن اليَمان، والنعمان بن مُقْرِّن المُزَني، وستة من الأنصار في أربعين ذراعًا، قال حذيفة: فظهرت علينا في الخندق صخرةٌ كسرت مَعاوِلنا، فأتى سلمانُ إلى رسول الله وهو على جانب الخندق فأخبره بها، فقام ونزل إلى الخندق وضربها فانصدعت، وبرق منها بَرْقَةٌ أضاءت منها ما بين لابتيها - يعني المدينة - حتى كأنها مصباح، وكبَّر رسول الله ، ثم ضربها ثانيًا وثالثًا وهي تَبْرُقُ كذلك، فسأله سلمان فقال: "أَمَّا في البَرقَةِ الأُولى: فإنِّي رَأَيتُ منها قُصُورَ الحِيرَةِ ومَدائنَ كِسْرَى، كأَنَّها أَنْيَابُ الكلَابِ، فأَخبرَني جبريلُ أنَّ أُمَّتي سَتَظهرُ عَليها، وأَمَّا في الثَّانية: فأَضاءَتْ لي القُصُورُ الحُمْرُ من أَرضِ الشَّامِ والرُّومِ، وأَخبرَني جبريلُ أنَّ أُمَّتي سَتَظهرُ عليها، وأمَّا في الثَّالثة: فَأَضَاءتْ لي قُصُورُ صَنْعَاءَ، وأَخبرني جبريلُ أنَّ أُمَّتي سَتَظهرُ عليها". فاستبشر المسلمون، فقال المنافقون: يا عجبًا، أيمنِّيكم الباطلَ، يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن صنعاء والشام، وأنها ستُفْتَحُ لكم وأنتم تحفِرون الخندق، ولا تستطيعون أن تخرجوا من المدينة! وأنزل الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (١٢)(٤) [الأحزاب: ١٢].


(١) هكذا جاءت في النسخ الخطية، وهي كذلك عند الطبري ٢/ ٥٧٠، وفي "السيرة" ٢/ ٢١٩: زَغَابة، وهو ما رجحه ياقوت في "معجم البلدان" ٣/ ١٤١.
(٢) انظر "السيرة" ٢/ ٢١٧، و"المغازي" ٢/ ٤٤٧، وصار المسلمون يرتجزون:
سماه من بعد جعيل عمرًا … وكان للبائس يومًا ظهرًا
(٣) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٦٠٤٠)، والحاكم ٣/ ٦٩١ من حديث عبد الله المزني، وانظر "السيرة" ٢/ ٢٢٤.
(٤) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" ٤/ ٧٧، والطبري في "تاريخه" ٢/ ٥٦٧ - ٥٧٠، والبيهقي في "الدلائل" ٣/ ٤١٩ - ٤٢٠.